ماري كوريلي.. الروائية البريطانية المنسيَّة

ثقافة 2019/10/01
...

اديسون نيوغنت
 
ترجمة: بهاء سلمان
انتظرت الملكة فكتوريا تلقي طرد منها، ولم تكن الأم الجليلة الحاكمة، التي حملت تلك الحقبة اسمها، لتضيّع وقتها عبثا ساعية وراء أشياء تافهة، لكنها سمحت لنفسها ببعض المتع. وكانت الحزمة التي جلبها خادمها واحدة من تلك المتع: نسخة من “أحزان الشيطان”، الرواية الجديدة لكاتبتها المفضلة، ماري كوريلي.
المؤلفة المشهورة بشكل هائل في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يتم تناسيها بشكل كامل من قبل الحركة الأدبية في يومنا الحالي، لكن لعقود قصيرة من الزمن، سادت كوريلي بامتياز كملكة للأدب الشعبي. وبولادتها كطفل غير شرعي للشاعر وكاتب الأغاني الأسكتلندي تشارلز ماكاي وخادمته اليزابيث ميلز، انطلقت ماري ماكاي بسرعة صاروخية تخطت بها بداياتها المتواضعة، محققة حالة نجومية في عمر صغير ضمن الإعلام الجماهيري بقلم حمل اسم ماري كوريلي.
 
ولع المعجبين
وفي العقود الثلاثة التي تلت نشر روايتها الأولى، “رومانسية عالمين”، سنة 1886، برزت كوريلي بحيازتها للقب المؤلف الأكثر مبيعا في العالم، مع ما لا يقل عن ثلاثين عملا روائيا صارت من أكثر الأعمال الناجحة عالميا. أعمال كوريلي التي كانت مزيجا غريبا من عالم السحر والتنجيم والرومانسية والغموض القوطي (الرواية القوطية: ضرب من الرواية الرومانسية المبكرة، تتميّز بأجواء الرعب والغموض التي تسودها وبعنصر التشويق الذي يهيمن عليها. ازدهرت في إنكلترا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر ومطالع القرن التاسع عشر - المترجم) وحكايات الأخلاقيات المسيحية فاقت بمبيعاتها منافسيها المعاصرين لها، أمثال تشارلز ديكنز؛ وحطّمت جميع الأرقام القياسية للنشر ببيعها لمئة ألف نسخة لكتبها سنويا. وعندما كانت تظهر للملأ، كان آلاف المعجبين يحتشدون لرؤيتها، غالبا ما يتهافتون للمس فستانها عندما كانت تمر عبر الحشود.
وظّفت أعمال كوريلي جاذبية العصر: الكهرباء والروحانيات والتصوّف؛ وتم تجميع هذه المواضيع في “رومانسية عالمين”، التي تروي قصة الرحلات النجمية لامرأة شابة مسترشدة بهليوباس، الكائن الغامض الذي يعلّمها “الكهربائية البشرية”. ويتضّمن الكتاب أيضا تفسيرا للمسيح كونه كهربائية تقارن الرب بجهاز ارسال البرقيات، التلغراف. وبعد أن بدأ قراؤها تكريس أنفسهم للمسيح البرقي، اتخذت كوريلي بشكل طوعي دور غورو، ذاكرة سنة 1896 أنها لو كانت لا تعتقد يقينا بـ”العقيدة الكهربائية”، لما كانت لتكتب لها.
 
رأي مغاير
ولكن بينما كانت محبوبة الجماهير، وملكة بحد ذاتها، تم تقريعها بشدة من قبل النقاد، فمراجعة أعمالها ربما تبرز حالة عدم التمدن، ومع احتقار العديد من المؤلفين الذكور المعاصرين لها. وعندما أتى مارك توين لزيارتها سنة 1907، كتب لاحقا أن الوقت الذي قضاه معها كان “الأكثر بغضا خلال سنين عمري ال ـ72.” حتى اليوم، وبحسب الباحث الأدبي سيمون جيمس من صحيفة الثقافة الفكتورية، غالبا ما “كانت شعبية كوريلي تعزى الى السكون المفترض لكتاباتها مع الوضع الراهن، ونجاح كتبها هو نتيجة منطقية لمنحها القراء ما يريدون.”
بعض الباحثين المعاصرين، مع ذلك، كانوا متسامحين بعض الشيء، معللين بعضا من كتاباتها السيئة الى حالة كراهية النساء. يقول جيل غافلان، استاذ اللغة الانكليزية في جامعة اوهايو، المتخصص بالنظرات الفكتورية للتقنية والغيبيات: “بينما من الواقعي أن يمكن لكتاباتها النثرية وحبكاتها الروائية ترك شيء ما مرغوب فيه، فمن الحقيقي أيضا أنها قد تعرضّت للتهميش في التأريخ الأدبي. ولربما كانت شعبيتها تمثل مشكلة في تلك الفترة، اذا ما علمنا بالاختلافات الحرجة المتنامية بين ’الفن‘ وتسلية الجماهير.” وبخلاف العديد من المشاهير حاليا، الذين يدعون المعجبين الى جوانب شديدة الخصوصية من حياتهم، جاهدت كوريلي لادامة جو من الغموض حول حياتها الخاصة. لم تتزوّج مطلقا، وعاشت أربعين سنة مع رفيقة حياتها بيرثا فايفر، التي تركت لها كامل ملكيتها حين وفاتها سنة 1924. ولم تعرّف الروائية الغامضة نفسها أبدا كمثلية جنسية، بيد أن الباحثين لاحظوا الوصف الإغرائي للنساء في رواياتها.
 
التواري عن الأنظار
وبنت كوريلي بعناية شخصيتها العامة كشخص مبالغ بغرابة الأطوار، يقدم على فعل أعمال مثيرة، مثل شراء قارب جندول فينيسي أصلي، أكملته بجذاف متخصص، جالت فيه خلال نهر آفون. وقامت بحماية صورتها من خلال مكافحة الصور غير المرخص لها، وصولا الى رفع قضايا ضد بعض المصوّرين لنشرهم صورا لم توافق عليها. ولهذا السبب، تبيّن الغالبية العظمى من الصور الباقية كوريلي مرتدية جلابيب فضفاضة وبدلات الفترة الرومانسية، والشعر المزيّن بأزهار برية.
وبينما كانت كوريلي نفسها سيدة أعمال، كانت شخصياتها النسائية غالبا من الشابات البريئات غير المعقدات من ذوات العيون الواسعة، يجسدن الجمال والنحالة الفكتورية الأنموذج. ووقفت الشخصيات الأنثوية الرومانسية لكوريلي بتناقض صارخ مع المنظور المستجد للمرأة الجديدة. وخلال ذروة شهرة كوريلي، كانت الحركة المنادية بحق المرأة في الاقتراع في أوجها، مع نزول النساء الى الشوارع للمطالبة بحق التصويت، ودخول الجامعات وامتلاك الوظائف. كانت المرأة الجديدة، المناقضة لربات المنازل الفكتوريات، كيانا مستقلا عن الأسرة وعن زوجها. وعارضت كوريلي بقوة فكرة المرأة الجديدة، ووصل بها الأمر الى نشر كتيّب يناهض حق المرأة في الاقتراع، حمل عنوان “امرأة، أم ناشطة لحقوق المرأة”. أما وجهات النظر التقليدية المستعرضة في أهم أعمالها الناجحة، برغم شعبيتها في قمة شهرتها، فسرعان ما هجرت مع بروز مؤلفات كسرن الكتابة التقليدية، أمثال فيرجينيا وولف. هذا الأمر، بمعية وجهات النظر الباهتة واعتبارها فقط كاتبة ناجحة لا أكثر، منع كوريلي من ولوج قائمة الأدب الفكتوري الرئيسة، ليتم نسيان أعمالها بشكل كبير.
 
عن مجلة أوزي الأميركية