الساعدي بطلاً شعبيّاً

آراء 2019/10/01
...

حمزة مصطفى
 
بدءاً أنا أميل الى كل قوانين الضبط العسكري بقطع النظر عن مشروعيتها أم لا. ومن منطلق ميلي هذا فإنّني لا أملك سوى تأييد قرار القائد العام للقوات المسلحة بنقل الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الى أي موقع في المؤسسة العسكرية. فالإجراء الذي تمّ اتخاذه بحقه لاتشوبه أية شائبة من حيث إجراءات الضبط العسكري. 
لكن السؤال الذي يطرح نفسه .. كم قائدا عسكريا يُحال على التقاعد أو ينقل من هذا الموقع أو ذاك ولا تثار بشأنه أيّة ضجّة مهما كانت بسيطة؟ بل كم قائدا عسكريا تتم معاقبته لهذا السبب أو ذاك وأحيانا لا أحد يعرف السبب ويمرّ الأمر مرور  الكرام ولا يلفت نظر أحد؟، هل السبب يعود الى الضبط العسكري وصلاحيات القائد العام أو وزير الدفاع مثلا؟، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أثيرت كلّ هذه الضجة بشأن نقل الساعدي من جهاز  مكافحة الإرهاب الى “الإمرة” في مقر وزارة الدفاع بينما لم يحصل مع سواه؟، هل يملك الساعدي وسائل إعلام (قنوات فضائية، أو وكالات إخباريّة)؟ هل لديه جيوشٌ الكترونية؟. 
في الواقع أنّ الضجة التي أثيرت حوله ليس ميدانها الإعلام بل المجتمع بالدرجة الأولى. ولم يكن الإعلام بكل منصاته سوى ناقل للتحشيد الجماهيري الذي جعل الساعدي بطلا شعبيا من وجهة نظر جمهور عريض من الناس بصرف النظر عن اختلاف الآراء بشأنه. فهو في النهاية قائد عسكري كان له دور بارز في مواجهة عصابات داعش. لكن هنا يواجهنا سؤال آخر.. هل الساعدي وحده من قاتل داعش؟، الجواب لا بالتأكيد. فهناك قادة كبار في المؤسسة الأمنية العراقية بكامل  صنوفها. 
إذن لماذا التركيز عليه؟ هذا سؤال آخر يواجهنا. وللإجابة عنه نقول إنّ مفهوم “البطل الشعبي” رافق الساعدي قبل قرار نقله. وكل الذي حصل بعد صدور قرار النقل أن اعترض الناس على ماعدّوه “إهانة” بحق بطل يحبونه. هل هذا صح أم خطأ؟ سؤال آخر يداهمنا، للإجابة عنه أقول: لاتقاس الأمور هنا بمعايير الصح والخطأ. فصفة البطل الشعبي التي اكتسبها الساعدي مقاتلا ضد عصابات داعش كانت بسبب سلوكه العفوي في القيادة 
والتصرّف. وللدقة أكثر فإنّ الرجل أتقن طريقة التعامل مع الناس من موقع القرب منهم، فيما لم يفعل قادة آخرون ربما  لايقلون شجاعة وكفاءة عنه. 
هذه العفوية والقرب من الناس حوّلته الى نجم شعبي يفوق حدود التعامل مع القادة العسكريين من وجهة نظر الناس. لذلك حين صدر أمر عسكري يعدّ عاديا طبقا للسياقات العسكرية فقد عدته المخيلة الشعبية بمثابة “عدوان” على ماتختزنه هذه المخيلة من صور رومانسية وعاطفية عن هذا القائد فتفجّرت غضباً أحرجته وأحرجت المؤسسة معا. 
أحرجته لأنّه وجد نفسه بين نارين .. نار إطاعة الأوامر كجندي لايحق له الاعتراض. ونار الانسياق خلف مفاهيم  البطولة الشعبيّة التي لا بدَّ له من أن يتماهى معها بسقف بدا في الواقع أعلى بكثير مماهو مسموح لعسكري محترف بات ينظر اليه من وجهة نظر أخرى محايدة نظرة قد تصل حدَّ اتّهامه بالتمرُّد. وأحرجت المؤسسة العسكرية لأنها لم تعتد عبر تاريخها الى الانصياع للضغوط الجماهيرية مهما كانت. الخلاصة .. علينا أن نقدر ظروف عبد الوهاب الساعدي الذي سيبقى يدفع ثمن عدم القدرة 
على المواءمة بين العسكري المحترف والبطل الشعبي.