عن الاحتجاج الشعبي

آراء 2019/10/02
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
قبل ايام من اندلاع تظاهرات الاول من تشرين الاول (وهذا تاريخ مرشح للحفظ في الذاكرة الشعبية) اجريت استطلاعا اوليا عن توجهات الراي العام في اللحظة الراهنة. تضمن الاستطلاع ثلاث اسئلة بهذه المضامين: هل انت مع النظام السياسي الراهن؟ هل انت مستعد للعمل من اجل تغييره؟ هل تثق بقدرتك على التغيير؟ الاغلبية قالوا لا للسؤال الاول، ونفس الاغلبية قالوا نعم للسؤالين الثاني والثالث. كان هذا مؤشرا لما سوف يحصل في الاول من تشرين الاول وما بعده. النظام التلفيقي الهجين فقد ثقة الشعب، والشعب على استعداد للثورة. والطريق اصبح ذا خيارين فقط: اما ان يتصرف النظام بسرعة لاستعادة الثقة، او الثورة، بوجود التيار الصدري او بدونه. اما “المدنيون” فقد اصبحوا خارج المعادلة الاحتجاجية.
لا جدوى من الحديث عن “المندسين”، فهؤلاء يمكن ان يوجدوا في كل حراك اجتماعي، كما لا جدوى من الحديث عن “مؤامرة”، فالاخرون، ومن بينهم البعثيون لن يتوقفوا عن التآمر مستغلين الوضع الراهن. لكن المندسين والمتآمرين ليسوا بديلا عن الحقيقة الاهم، وهي ان الشعب على وشك الثورة بعد ان بلغ النظام التلفيقي اقصى مداه بالفساد والعبث واللاجدوى مع تفاقم البطالة والفساد وتردي الخدمات. سوء الحال افقد ما حدث يوم 9 نيسان 2003 كل معنى ايجابي رغم ضخامة الحدث وقيمته التاريخية الكبرى التي تمثلت بسقوط اعتى دكتاتورية عرفها العراق، وتحرير الشعب العراقي من الظلم والاضطهاد البعثي. كان يمكن ان يكون ذلك اليوم بداية مسيرة جادة نحو اعادة بناء الدولة العراقية بناءً حضاريا حديثا. لكن عيوب التأسيس وقصر نظر من تولوا امور البلد منذ مجلس الحكم وما تلاه، من سياسيين شيعة وسنة وكرد، من الداخل والخارج، الا ما ندر وقلّ، ضيع الفرصة الثالثة. لم يفت الاوان بعد. من الممكن ان يتخذ طرف ما في المعادلة السياسية/ الاجتماعية الراهنة مبادرة تاريخية لاعادة توجيه العملية السياسية في البلد بشكل يتجاوز كل عيوب الماضي، من المحاصصة والتوافقية والفساد والمكونات الخ، وتطلق المبادرة عملية اعادة بناء الدولة على اسس وطنية ديمقراطية مؤسساتية قانونية علمية حديثة. ومثل هذه المبادرة ممكنة دستوريا من خلال تطبيق المادة (64) التي تقول:”اولاً :ـ يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانياً :ـ يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ اقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الامور اليومية” على ان تجرى الانتخابات بطريقة الانتخاب الفردي، ومن ثم تشكيل حكومة خدمات واصلاح على اساس الكفاءة والنزاهة والتجربة الناجحة. وتنصرف الحكومة الجديدة منذ اليوم الاول الى مكافحة الفساد، ومحاكمة المفسدين، وتحسين الخدمات، وتوفير فرص عمل حقيقية لالاف الشباب والشابات، والشروع بتنفيذ برنامج تربوي جديد ضمن ستراتيجية تمتد 12 سنة وصولا الى عام 2030؛ بينما ينصرف البرلمان الجديد الى تشريع القوانين التي تحتاج اليها عملية اعادة البناء، بما في ذلك تسهيل الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص وخاصة في مجال الصناعات الخفيفة والزراعة،  واعداد مسودة التعديلات الدستورية لترسيخ مفهوم دولة المواطنة والديمقراطية ونبذ طريقة المحاصصة والتوافقات الحزبية. فاذا ما عجزت الطبقة السياسية عن تنفيذ هذا الحل، تعود الكلمة الى الشعب لاعلان مبادرته الخاصة للخروج من الطريق المسدود الراهن. ولستُ في وضع يملي على الشعب ما ينبغي ان يقوم به.