هل يمكن لديمقراطية ناشطة أن تتحوّل لاقتصاد عملاق؟

اقتصادية 2019/10/02
...

هوارد لافرانتشي

ترجمة: ليندا أدور
 

 

يقف مبنى شركة “انفوسيس” بزجاجه الأزرق وتصميمه الأملس كمركبة فضائية متطفّلة وسط شوارع جانبية غير معبّدة، تحيط بها هياكل لمبانٍ سكنية غير مكتملة. تطل نوافذها العملاقة على عالم “ذا جيتسونز” The Jetsons) وهو مسلسل رسوم متحركة أميركي)* من العاملين الذين ينسابون بين طوابقها على ممرات متحركة مرفوعة. 
 

في الوقت الحاضر، يعمل نيشانك ناتشابا (19 عاما) في كنف انفوسيس وغيرها من الشركات العالية التقنية، التي، مثله، تطلق على حي مدينة الالكترونيات في بنغالور تسمية “المنزل”. 
يعمل خريج الثانوية في سكنين للعاملين بمجال التكنولوجيا، احدهما للشباب وآخر للشابات، يديرهما والداه، إذ يعمل الأب في صيانة المباني بينما تقوم والدته بتحضير وجبات الطعام لـ 120 شابا و30 فتاة.
 
وادي سيليكون الهند
على مبعدة مربع او مربعين سكنيين سيرا، عن مساكن العاملين والشركات الاخرى، تلوح مبانٍ تحمل اسماء وشعارات لشركات عالمية مثل ايميرسون ويوكوجاوا  والتاميتريكس وهوليت-باكارد، والتي تجيب عن السؤال: لماذا تعرف بنغالور على انها “وادي سيليكون الهند”. يفصح ناتشابا عن حلمه بقوله: “أحلم بأن اعمل لدى انفوسيس في يوم من الأيام، يبدو وكأن المستقبل هنا، وهو مستقبل جيد بالنسبة لي، وهو المستقبل الذي يطمح اليه الهنود لبلادنا”. 
تعكس أحلام ناتشابا طموحات بلد لديه الاحساس بأنه مستعد للمضي الى الأمام في الاقتصاد العالمي. فالهند، المدفوعة بطموحات رئيس الوزراء ذي الشخصية الكاريزمية، ناريندرا مودي، من جهة، والاعداد المتزايدة من الشباب المتعلّم من الطبقة الوسطى، من جهة أخرى، تقف على أعتاب انطلاقة. فقد عملت الهند على معالجة الفقر المدقع الذي عانت منه أعداد كبيرة من الهنود خلال 25 سنة الماضية. نتج عن ذلك، استعدادها للانضمام، ليس فقط الى الصين، بل الى كوريا الجنوبية واندونيسيا وفيتنام ودول آسيوية مجاورة اخرى والتي حققت قفزة بمجال ازدهار معدل الدخل المتوسط او في طريقها لذلك. فالى جانب برنامج الفضاء العالمي الخاص بها، وسياستها الخارجية الرصينة وحضورها الثقافي الدولي، تحاول الهند الافادة الى اقصى حد من نفوذ اقتصادها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة للعب دور أكثر أهمية بين القوى
 العالمية.
 
سُبع سكان العالم
بالرغم من ذلك، فإنّ الهند التي قريبا ستصبح أكثر دول العالم تعدادا للسكان، في طريقها للتفوق على الصين في العام 2027، وهي ربما، الاكثر تنوعا في العالم ثقافيا ولغويا، فضلا عن مواجهتها الكثير من التحديات التي تعيق نهضتها ومن بينها، اعداد كبيرة غير منتجة من سكان الريف ونساء غير فاعلات اقتصاديا، والتي تشكل بصمة ثقيلة على الاقتصاد الذي لا يعمل على تشجيع الاعمال الخاصة والاستثمار الاجنبي، وتزايد الانقسامات السياسية والتوترات الدينية، وتوجه متخلف بمرحلة ما بعد الاستقلال بالاعتماد على الدولة.
يشير المحللون الى انه في حال لم تتم معالجة هذه التحديات، فانها قد تسهم في اعاقة طموحات سُبع سكان العالم. يقول نيتين باي، مدير والعضو المؤسس لمؤسسة تاكشاشيلا الفكرية، “نحن أمام قرارات حاسمة، على قيادتنا والهنود بشكل عام اتخاذها”، مضيفا “بامكاننا المضي في مسارنا الحالي والمتمثل بنمو سنوي بمقدار 6 بالمئة ومكاسب وظيفية متواضعة، والذي سيمكننا من الاستمرار بتحركنا نحو تخليص الناس من الفقر الذي يعانونه، لكن ذلك لن يكون كافيا لتحقيق احلام الهند بالازدهار الوطني”.
تأمل الهند الافادة من التوترات الحاصلة بين الدول، وأبرزها الحرب التجارية الاميركية-الصينية والتي قد تمتد الى العقد المقبل، كما يراها الخبراء، بغض النظر عن من سيشغل البيت الأبيض، وقد افضت تداعيات تلك الحرب الى تحول الكثير من الوظائف المنخفضة الأجر وعالية التقنية الى بلدان أخرى غير الصين، وشركة كومنز لمحركات الديزل، مثال على قيام شركة أميركية، هذا العام، بنقل بعض صناعاتها من الصين الى الهند لتجنب التعرفة التي فرضها الرئيس ترامب على البضائع الصينية. وفي بنغالور، يشير العديد الى مصنع آبل الجديد لتجميع هواتف آيفون للسوق الهندية والذي حل محل العمل الذي كان ينجز في الصين. يمكن للهند الافادة من رغبة دول آسيوية أخرى، كاليابان وكوريا الجنوبية لتنويع حقائبها التجارية والاستثمارية بعيدا عن بكين. 
 
حكومة تصنع الصابون
يتعيّن على الهند العمل، وعلى نطاق واسع، على تشجيع التحول من الريف الى المدينة، فمن أصل 1.3 مليار نسمة من سكان البلاد، يعتمد أكثر من 700 مليون من المزارعين او افراد أسرهم على دخل مزارع واحد. لذا يضطر العديد من المزارعين الى مغادرة أرضهم لجزء من السنة والتوجه نحو مدن كنيودلهي ومومباي وتشيناي وبنغالور للعمل هناك بهدف زيادة دخلهم المتواضع.
لا يقل أهمية عن ذلك، هو ما يتعلق بمشاركة النساء في القوى العاملة بالهند، فبنسبة أقل من خمس النساء بسن العمل يشغلن وظائف، يجعل الهند تقف بمرتبة أقرب الى قاع التصنيف لعمالة الإناث. وبالرغم من زيادة الوعي بدور المرأة في التطور الاقتصادي، فإنّ مشاركة الاناث في اقتصاد الهند مستمر بالتراجع خلال السنوات الأخيرة.
وفقا لتقديرات باي، سيتعيّن على الهند، لتحقيق قفزتها، ان تعمل على خلق 20 مليون وظيفة سنويا، وللوصول الى هدفها، عليها البدء بسلسلة من الاصلاحات لتحديث قوانين العمل وخصخصة المؤسسات المحتضرة واصلاح النظام القضائي. ليأتي بعدها، ما تبقى من عناصر عالقة بالنظام الاقتصادي الاشتراكي، ما بعد الاستعمار، والتي أبقت الحكومة ملتزمة بدعم قطاعات صناعية وشركات غير فاعلة تدار من قبلها. يقول باي متعجبا: “تصنع الحكومة الصابون..الصابون! ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، وحتى الثاني والعشرين، بينما الحكومة لا تزال في القرون الوسطى، وهذا ما يتوجّب تغييره”.
تسعى الهند الى اتباع أنموذج النمور الآسيوية التي خرجت من فقرها نحو الازدهار، فقط من خلال كونها الديمقراطية الأكثر تنوعا في العالم لغويا وثقافيا ودينيا. وفي الوقت الذي يبحث فيه الهنود الخطوات التي يجب على بلادهم اتخاذها لتحقيق النجاح، يطرح، على الأغلب، السؤال الآتي: “هل يمكن لأكثر ديمقراطيات العالم تعقيدا أن تقوم بما قامت به دول آسيوية أخرى في ظل أنظمة استبداديّة؟
 
*صحيفة كريستيان ساينز مونيتر