أفكر كيف سأبدأ وعن أي شيء اكتب. يبدو ان هناك من يظن ان الحكمة تأتي بعد الاحداث الكبيرة، لكن هل حقا تأتي الافكار الحكيمة دائما بعد مخاض صعب. اعني هل يمكن ان يكتب الكاتب نصا متزنا وبلده يتعرض لمصير مجهول. شباب يسقطون موتى وهم يتظاهرون، ورجال امن تعرضوا للقتل. وتقطعت اوصال بغداد والمحافظات جراء حركة الاحتجاج الغاضبة الهادرة. اي شيء يمكن لنا كتابته في ظل ازمة يخشى الجميع انها ستتكرر مرة اخرى.
أعجب كيف يمكن ان يعزل الانسان نفسه ولغته عن خيط الدم المتدفق في الشوارع. أعجب اذا سمعت شخصا يتحدث بمنتهى الثقة بأنه يقول اشياء منطقية في وقت انتهى فيه المنطق. كم يصعب عليَّ ان اجد مكاني في ظل الم الفقراء والجماهير. وان اعثر على حزمة جيدة من المفردات تناسب الحدث ولا تعتدي على حرمته او التقليل من شأنه. تمنيت كثيرا ان اصل الى هذه الصفقة الغريبة التي قلما انجح في الوصول اليها. كتابة نص فيه شيء من حيرة الجماهير وتطلعات الشباب وخوف الانسان من الغد.
إذن أنا أحاول فيما اكتبه الان ان اعلق على ما جرى، لكني ساتحدث عن وجهة نظر رئيس الوزراء في اجتماعه الاخير مع كابينته الحكومية. كان الاجتماع مخصصا كما يعرف الجميع عن كيفية تقديم حلول سريعة لمطالب المتظاهرين التي رفعت الى مجلس الوزراء.
في الواقع توقفت عند ملاحظة مهمة قالها عبد المهدي اثناء كلامه الطويل عن المتظاهرين وما جرى خلال ايام المحنة ان جاز القول. ما توقفت عنده هو قوله ان التظاهرات الاخيرة فيها شيء جديد لم يسبق ان حدث في سائر الاحتجاجات الماضية. واضاف عبد المهدي “وعلينا ان نتعامل بشكل جديد معها”. وهو يعني بكل تأكيد محاولة وضع حلول للمشاكل التي سببت هذه الموجة الشبابية الغاضة.
لنتوقف عند قوله ان في هذه التظاهرات شيئا جديدا. هذا يعني ان فيها شيئا مختلفا عن كل ما حصل سابقا.
لكن ما الجديد الذي قدمه هذا الجيل الغاضب المندفع بثورية لا ملامح لها.
هل جديدهم هو سقوط شهداء وجرحى بهذا العدد الكبير خلال ايام قلائل، ام الجديد هو اصرارهم وتماسكهم الذي لا يحسب للموت حسابا.؟
ام ان حركتهم من مكان لاخر، واضرام النار في الاطارات ثم انسحابهم الى الاحياء الفقيرة بعيدا عن ساحة التحرير هو ما لفت انتباهنا وجعلنا نفكر بروح التجديد التي فجّرها هذا الجيل المتحمّس.
أظن أن هناك أسلوبا جديدا في الاعتراض على الحكومة اكبر من كون اولئك الشباب هم من ابناء احدى السفارات كما وصفهم البعض. واظن ان كل ماحدث فتح عيون المسؤولين جيدا وربما لاول مرة على حجم الكبت السياسي الذي تفجّر كبركان على غير توقع.
ولعلّ جديد هؤلاء الشباب الذي فاجأ خبرة شيوخ السياسة هو ان لا احد اعلن انه يقود هذا الاحتجاج. لا قيادات ظاهرة تتحكم بجموع المتظاهرين. باختصار كان الامر لغزا بكل تفاصيله.