واشنطن / نافع الفرطوسي
منح البيت الأبيض الضوء الأخضر للرئيس التركي للتوغل في الشمال السوري، ما يشكل وفق مراقبين تحولاً بارزاً في السياسة الأميركية وتخلياً ملحوظاً عن المقاتلين الأكراد الذين شكلوا حليفاً رئيساً لهم في المنطقة، وهي الخطوة التي أثارت سخط الكونغرس بشقيه، بينما أعلن البنتاغون عدم تأييده للعملية التركية.
البنتاغون ترفض
وشرعت الولايات المتحدة بسحب قواتها من مناطق الشريط الحدودي مع تركيا المحاذي لشمال سوريا، ما يفتح الطريق أمام تنفيذ أنقرة تهديدها بشنّ هجوم ضد المقاتلين الأكراد، ودافع الرئيس دونالد ترامب عن موقفه، معتبراً أنه على الأطراف الضالعة في النزاع السوري أن «تحل الوضع». وقال إنّه آن الآوان للخروج من «هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي».
وأثار هذا الإعلان موجة إدانة واسعة في الولايات المتحدة، حتى ضمن فريق ترامب، بينما اعلنت وزارة الدفاع «البنتاغون» عدم تأييدها للعملية مع الجانب التركي، وذكرت في بيان ان «وزارة الدفاع قالت بشكل واضح لتركيا- كما فعل الرئيس- أننا لا نؤيد عملية تركية في شمال سوريا»، وحذرت من «العواقب المزعزعة للاستقرار «لمثل هذه العملية» بالنسبة لتركيا والمنطقة
وخارجها».
التخلي عن الحلفاء
وتلقى قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا والتخلي عن الحلفاء الأكراد رد فعل عنيف بين الأعضاء الرئيسيين في أهم «معاقله» الجمهوريون في مجلس الشيوخ. وعدّ أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، الذين سيحتاجهم ترامب لإبقائه في منصبه، إذا كان مجلس النواب يمضي قدما في المساءلة، قرار الرئيس باعتباره فوزا للإرهابيين وهزيمة للمصداقية الأميركية، ويناقش البعض بالفعل تشريعا للرد. وذكر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل في بيان «الانسحاب السريع للقوات الأميركية من سوريا لن يفيد سوى روسيا وإيران ونظام الأسد». وحث الرئيس في «الحفاظ على تحالفنا المتعدد الجنسيات لهزيمة داعش ومنع صراع كبير بين حلفائنا في حلف شمال الأطلسي تركيا وشركائنا السوريين المحليين في مكافحة
الإرهاب.»
فقدان دعم الكونغرس
وبهذه الخطوة يتوقع ترامب أنه سيفقد دعم ما لا يقل عن 20 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين سيتم عزلهم من مناصبهم إذا صوت مجلس النواب على عزله.
وجاءت أقسى الانتقادات من السناتور ليندسي جراهام من ساوث كارولينا ، وهو حليف قوي لترامب، حيث قال، إن هذا “القرار الاندفاعي” سيفيد إيران ويكلف النفوذ الأميركي في المنطقة”.
وقال جراهام أيضاً إنه والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين سوف يفرضان عقوبات على تركيا إذا غزت قواتها سوريا. مضيفاً انه يتوقع أن تحصل هذه العقوبات على أغلبية الثلثين - وهو ما يكفي لإلغاء الفيتو. وطالب ترامب بـ “العودة عن قراره”، الذي “ينطوي على كارثة” حسب
وصفه.
مصير الدواعش
وبعد سيل الانتقادات من غراهام وآخرين، استدرك ترامب وغرد بالقول، إنه “سيدمر الاقتصاد التركي تماما إذا اتخذت انقرة إجراءات خارج الحدود “لكنه لم يحددها، كما قال إنه يتعين على تركيا “مراقبة” حوالي 12000 مقاتل من (عصابات الدولة الإسلامية) داعش وعشرات الآلاف من أفراد أسرهم الذين يعيشون في السجون والمخيمات في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد.
وكان مجلس الشيوخ عارض في وقت سابق من هذا العام قرارا بالانسحاب من سوريا وأفغانستان، عاداً التحركات بالتخلي عن القوات الكردية التي ساعدت القوات الأميركية في القتال، والتي تحتجز الآلاف من مقاتلي داعش.. بالفكرة غير الصائبة وتعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر.
مصداقية أميركا
وأصدر السيناتور ميت رومني من ولاية يوتا ، الذي يرأس لجنة فرعية للعلاقات الخارجية بشأن الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب، بيانا مشتركا مع سيناتور كونيكتيكت كريس مورفي، كبير الديمقراطيين في اللجنة، قائلاً إن قرار ترامب “يقلل بشدة من مصداقية أميركا كشريك يمكن الاعتماد عليه ويخلق فراغا في السلطة في المنطقة التي تعود بالنفع على داعش “. وطالبوا الإدارة بشرح القرار للجنة كاملة.
كما حذر عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نبراسكا بن ساسي، الذي سيخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل، من إقامة شراكة مع الرئيس التركي رجب أردوغان.
وقال ساسي في بيان “إذا التزم الرئيس بهذا التراجع، فإنه يجب أن يعرف أن هذا القرار السيئ سيؤدي على الأرجح إلى ذبح الحلفاء الذين قاتلوا معنا، بمن فيهم النساء والأطفال”. “آمل أن يستمع الرئيس إلى جنرالاته ويعيد النظر”.
وانتقد بعض الجمهوريين في مجلس النواب الانسحاب المفاجئ، ووصفت ممثلة وايومنغ ليز تشيني، وهي عضو في قيادة الحزب الجمهوري، القرار بأنه “خطأ فادح”. كما صدر بيان من الممثلين الديمقراطيين يدينون فيه قرار ترامب، جاء فيه “لن يؤدي هذا القرار إلى زعزعة استقرار المنطقة فحسب، بل سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة تجنيد الحلفاء والشركاء مستقبلا”. إلى ذلك قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي: إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بسحب القوات الأميركية من سوريا “مقلق للغاية”. وأضافت في بيان لها “على ترامب العدول عن قراره الخطير بشأن سحب القوات من شمال سوريا”.
خلفيات الحدث
وكان الرئيس الأميركي أعلن في نهاية 2018 انسحاب القوات الأميركية المتواجدة في سوريا، قبل أن يوضح بعد أشهر قليلة أنّ نحو 400 من هذه القوات سيبقون “لبعض الوقت”.
وبعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الإثنين الماضي أنّ الهجوم قد يبدأ “من دون سابق انذار”، عبّرت الأمم المتحدة عن خشيتها من أزمة إنسانية وقالت إنها “تستعد للأسوأ”.وبدوره، نبّه الاتحاد الأوروبي على أن “أي استئناف للمعارك سيزيد من معاناة الشعب السوري”.
كذلك، نبّهت باريس تركيا من تداعيات أي “مبادرة” من شأنها أن تقوض جهود قتال داعش، وشددت الخارجية الفرنسية على ضرورة إبقاء مقاتلي داعش الموقوفين في “أماكن احتجاز مع حراسة مشددة” في شمال شرق سوريا. وكان “المرصد السوري” قال إنّ القوات الأميركية بدأت انسحابها من المناطق الواقعة بين تل أبيض ورأس العين باتجاه قاعدة تقع بين هاتين المنطقتين. وبحسب مصور من وكالة فرانس برس، فإنّ قاعدة في تل أرقم بدت خالية بعد بدء الانسحاب الأميركي.