التظاهرات من زاوية أخرى

آراء 2019/10/11
...

د. حسين القاصد
لا يفكر السجين الآيس من الخروج من سجنه ، بمن سيفتح له الباب بعد أن عجز هو أو تلكأ في كسر باب السجن ، أو لنقل كان يخشى عواقب كسره والهرب إلى الخارج .  
السجين الذي يشعر بالغبن ، لا تهمه عواقب ما بعد فرصة الهروب ؛ بل لعله يهرب لمواجهة سجانه ليسأله عن السبب في أضعف الاحتمالات . 
 وحين يهرب من الباب المكسور لن يكون مسلحاً !! ولن يتوقع منه سجانه غير صرخة ( لا ) و ( لماذا ) وهما سلاحاه في مرحلة ما بعد كسر باب السجن .  نأتي ، الآن ، إلى من كسر الباب ، وما هي دوافعه ، هل كان همه انقاذ السجين أم استعماله أداةً لمآرب ومصالح خاصة به ، أم نكاية بسجانه ، ليقع السجين بين قبضتي سجانين اثنين .  هذه هي حقيقة ما حدث في التظاهرة الأخيرة التي لم تحدد هوية صاحب ساعة الصفر لانطلاقها ؛ لكنّ شباباً لا تتجاوز أعمارهم خمسة وعشرين عاماً وجدوا حريتهم في عملية كسر القيد الذي كبّل اصواتهم ، وقيود الكلام أقسى وأشد ايلاماً من قيود الأيادي .     خرج الشباب الذين احرجوا أصحاب التظاهرات المتكررة بأعمارهم اليافعة وطموحاتهم المحنطة ، وانطلقوا في ساعة الصفر التي حددها ذلك المجهول /المعروف ؛ لكنهم خرجوا لمطالبهم لا لمطالبه ، وبين غضبة الشباب وجزعهم من تحنيط آمالهم ، وبين المطالب الخدمية من صحة وتعليم وسكن و شوارع نظيفة وماء وكهرباء ،  وخدمات توفر لهم ابسط سمات المواطنة ، تصاعد التعاطف الشعبي معهم على الرغم من مجهولية الداعي لخروجهم أو كاسر باب سجنهم ، الذي كسره لمصلحته وغاياته لا حباً بهم . لكن صاحب التوقيت وأعوانه الذين اصطفوا معه ، لا حباً بالشباب بقدر طمعهم بخراب البلد ، عجلوا بتحويل التظاهرة إلى مواجهة عنيفة راح ضحيتها مئات الأبرياء بين شهيد وجريح من القوات الأمنية والمتظاهرين .  أخذ الاعلام المشبوه المحرض على عاتقه تأجيج الأزمة ، بدلاً من أن يقوم بواجبه الوطني لتحقيق مطالب المتظاهرين وتقريب وجهات النظر بين السلطة والشباب الغاضب ؛ فصرنا نسمع من الفضائيات اخباراً كاذبة ومضحكة في آن واحد ، حيث الادعاء ببث مباشر من ساحة التحرير في ساعة متأخرة من الليل ، بينما تفضحهم الصورة حيث النهار والشمس الواضحة . 
وحين حاولت المرجعية الرشيدة حلحلة الأزمة خاطبت مجلس النواب بشكل خاص ، ولعلها تدرك أن في شخصية رئيس مجلس النواب وسلوكه الهادئ وعمره القريب من أعمار المتظاهرين ، ما سيكون دافعاً للحلول المقبولة ؛ وهو ما حدث فعلاً ، حيث خاطب السيد الحلبوسي شباب التظاهرات بروحية شابة لاقت ترحيباً واسعاً ؛ فضلاً عن استجابة السيد رئيس الوزراء لمناشداتنا لاحتواء الأزمة وتحمل مسؤولية مايجري فقال بالحرف الواحد : انا اتحمل مسؤولية هذه المرحلة .  لكن ، وأثناء مفاوضات رئيس مجلس النواب وقبل أن يبث خطابه أخذت الفضائيات المغرضة تؤجج الشارع بقولها إن مفاوضات السيد الحلبوسي مع المتظاهرين فشلت ، والهدف من هذا واضح جدا هو تأجيج العنف .
ثم نزل إلى ساحة اللعب بمقدرات الشعب اللاعبون الاساسيون ، وأخذوا يستعجلون التصعيد من أجل الذهاب إلى المجهول ؛ وقد اضطروا للنزول بأسمائهم وصورهم بعد حجب الانترنت وانطفاء اصوات جيوشهم الالكترونية وصفحاتهم المعروفة للجميع . كانت فتنة كبرى نجحت حكمة العقلاء في اطفائها ،لعن الله من أيقظها ،ولعن الله من حاول تحريف المطالب إلى ادعاءات انقلاب او ثورة .