تحمل الظواهر التي يبتكرها الإنسان شيئاً من الجوانب الحسنة وأخرى سيئة ويبقى ارتفاع نسبة احد هذه الجوانب الى الآخر، رهين استخدام الانسان وتعامله مع الابتكار. ولو أخذنا الانترنت وما فعله في حياة الناس، كإحدى هذه المبتكرات، فسنجد تزاحم الجوانب السيئة مع الحسنة، ويتضح امامنا مدى ارتباطهما بكيفية استعمال الانسان لهما. ولو تجاوزنا الجانب السيئ المتمثل بصعوبة الحفاظ على الخصوصية وسرقتها للوقت ناهيك عن استحداث نوع جديد من الجرائم، كالجرائم الالكترونية والابتزاز الالكتروني وغير ذلك.
وانتقلنا إلى ما جاء مع الانترنت من ايجابيات عديدة فسيكون أكثر ما يلفت نظرنا هو الدعم الكبير الذي منحه هذا الفضاء الافتراضي إلى ما يعرف
بـ “قضايا الرأي العام”.
فنحن اليوم نقف على نتيجة ايجابية وهي إمكانية لفت انظار الرأي العام، العالمي وليس المحلي فقط، إلى قضية ما أو حاجة أم ممارسة.
وهذا ما كان شديد الصعوبة قبل استحداث الانترنت، والذي اعطى الفرصة للمنظمات المحلية والدولية بعرض قضاياها والبحث لها عن دعم
واسناد.
وأخص بالكلام هنا القضايا الإنسانية أو الاجتماعية، وحتى في حال عدم حصول القضية على الاهتمام الكافي من المجتمع الداخلي أو الخارجي، فإنّ هذا ليس بالأمر الجلل إذ يبقى تحقق النجاح المتمثل بايصال القضية إلى بيوت
الكثير من الناس. الأمر الذي يساعد على تغيير فكرة أو معتقد أو تكوين شرارة لانطلاق حملات أو توجهات جديدة مؤيّدة أو معارضة.
وهذا يعني ان محاولات خنق
الآراء أو التستر على القضايا أصبح
اكثر صعوبة مع استحداث هذه
الوسائل.
وربما كان هدف معظم المنظمات والنقابات في الماضي من وراء ايصال قضاياها إلى الرأي العام، هو الحصول على دعم ومساعدة الجهات أو المنظمات المحلية والدولية. أما اليوم وبعد اعتماد وسائل التواصل الحديثة، فقد تحول الهدف إلى توجيه الأفكار أو صناعة الآراء،سواء باستهداف فئة معينة بغية تمكينها من رؤية مصالحها، أو باستهداف الناس عموماً من أجل نشر فكرة او قضية أو رأي.
من جانب آخر أصبحت الاختلافات الفكرية قادرة على الاحتكاك مع
بعضها بسهولة، وأصبحت الآراء المحايدة قادرة على سماع الأطراف جميعها والوقوف مع أحدها أو الثبات على الحياد.
وهذا ما تسبّب بالتقليل من فرصة انقياد الناس إلى القضايا أو الآراء من دون فحص أو تحقق، لان وجهات النظر المختلفة حول تلك القضية يتم تداولها والنقاش حولها بشكل يسير ومتاح للجميع، وهو امر يساعد على تبلور المواقف والاراء بشكل اكثر قوة
ومنطقية.
ونستطيع القول إنّ أبرز ما حملته وسائل التواصل هو انها اعطت المواقف المعتدلة أو الاكثر حيادية أو منطقية فرصة أكبر للتعبير عن نفسها ومواجهة الآراء المتطرفة أو المنحازة أو غير
المنطقية.
وسبب ذلك أن مدى الرؤية اصبح أبعد والفرصة للاطلاع على مختلف الآراء صارت متاحة بشكل كبير.
حتى أصبح عدم التصديق بالمواضيع الشائعة، ومحاولة التحقق من واقعيتها او صدقها، اصبحت سمة من
سمات قضايا الرأي العام. من جانب آخر فإنّ الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عموماً، عملت على كسر بعض الحواجز بين المجتمعات فاضمحلت عندها العادات القديمة، ومن ثمّ منحت هذه الوسائل الناس قدرة على مواجهة مجتمع العشيرة،
وما يتسبب به من ارباك للمجتمع، فصار الناس قادرين على الاطلاع على اساليب حياة المجتمعات الاخرى
وبذلك اختيار الاساليب العملية أو المناسب
أو السهلة أو حتى الأكثر تنظيماً
لحياتهم.