استجابة حكوميَّة للمطالب المشروعة بحزمة إصلاحات

آراء 2019/10/11
...

صادق كاظم 
 
ما حدث خلال الأيام الماضية من تظاهرات وصدامات كان أمراً متوقعاً, نتيجة لسياسات التأجيل وترحيل الأزمات ومراكمتها طيلة السنوات الست عشرة السابقة والتي وصلت الى ذروتها خلال الأيام السابقة المؤسفة. ملفات البطالة والإسكان والفساد والإرهاب والنازحين والصحة وغيرها من الملفات العالقة كلها بقيت مفتوحة من دون وجود نهايات واضحة لها أو خطط تنمويَّة لإصلاحها واستيعابها ضمن برامج حكوميَّة تعملُ على حلحلة هذه الأزمات ومعالجتها ضمن سقوف زمنيَّة محددة.
برامج 
البلاد واجهت مؤخراً تظاهرت ومطالب من قبل الشباب، والحكومة وعدت بإيجاد حلولٍ لهذه الأزمات والاستجابة لهذه المطالب ضمن حُزمٍ إصلاحيَّة تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة وحجم هذه المطالب والتي من بينها مشكلة البطالة المتفاقمة الناتجة عن دخول أكثر من 150 ألف شخص الى سوق العمل سنوياً ثلثاهم من خريجي الكليات الحكوميَّة والأهليَّة ومطالبهم بالحصول على 
وظائف وفرص عمل في السوق المحليَّة والتي يمكن أنْ تعدَّ من أكثر التحديات الصعبة التي تواجهها الحكومة، خصوصاً أنَّ القطاع الخاص العراقي لا يملك حالياً فرصة المنافسة مع القطاع الحكومي نتيجة لانحسار وضعف دوره بسبب سياسة الاستيراد المفتوح التي أضرَّت بالقطاع الخاص كثيراً ودفعت 
بأصحاب المعامل والورش الإنتاجية المختلفة الى إغلاقها وتسريح العاملين فيها وتحويل 
نشاطهم الاقتصادي صوب استيراد البضائع وإغراق السوق المحلية بها، فضلا عن ترهل القطاع الحكومي المزدحم بأكثر من 5 ملايين موظف، ما يجعله غير قادر على استيعاب أعداد العاطلين المتزايدة والتي تضغط باتجاه الدخول إليه.
ملف الفساد المتفاقم الذي يمنع أي خطوات إصلاحيَّة جادة للسيطرة عليه الذي يعدُّ واحداً من أخطر التحديات التي تجعل من حل الأزمات التي تعاني منها الدولة العراقية أمراً صعباً وهي السبب في استمرار الأزمات حتى وصلت الى ما هي عليه حالياً.
 
رموز متورطة
محاربة الفساد وفتح الملفات منذ العام 2003 وتقديم الرموز المتورطة فيه الى القضاء يعدُّ مطلباً وخطوة أساسيَّة ومهمة لاستعادة الحكومة لدورها وللثقة بها, خصوصاً أنَّ الإجراءات المؤجلة والمتوقفة عن ملاحقة المطلوبين البارزين والإطاحة بهم تتسبب بإضعاف ثقة الشارع بالحكومة في مجال الحرب على الفساد الذي يتسبب بإهدار موازنات البلاد المالية وما حصل من فساد وتلاعب خلال السنوات الماضية الذي أهدر أموالاً طائلة كانت كافية لأنْ تغير من خارطة العراق الخدمية وتجعل منه بلداً متقدماً ومتطوراً وغنياً بالمشاريع التي كانت ستمتصُّ كل أفواج البطالة وتحويل العاطلين عن العمل في البلاد الى قوى منتجة.
 
حزمة اصلاحات
الحكومة سارعت بدورها وكنتيجة منطقيَّة لتسارع الأحداث في الشارع العراقي الى إطلاق حزمة متعددة من الإصلاحات والتي منها تأمين الدرجات الوظيفيَّة، ومنح القروض الميسّرة لإطلاق المشاريع الخاصّة، وتأمين الأراضي والمنازل لأصحاب الدخل المحدود، إضافة إلى معالجة الجرحى واعتبار من سقطوا منهم خلال التظاهرات شهداءً تتكفّل الدولة بتوفير كل الحقوق لهم ولأسرهم وهو قرارٌ حكومي راعى مشروعية المطالب والاحتجاجات وتعويض الضحايا الذين سقطوا نتيجة لأعمال العنف المؤسفة والدامية التي حدثت خلالها.
المشكلات والتراكمات ثقيلة والسيد رئيس الحكومة ورث عن سابقيه تركة تحتاج معالجتها الى سنوات طويلة والى خطوات تدريجيَّة وفق منهج حكومي يكون قابلاً للتطبيق ضمن روزنامة تحدد الأولويات والأسبقيات وسط استمراريَّة معلنة تعلن نتائجها بين فترة وأخرى.
زيارة السيد رئيس الوزراء الى الصين مؤخراً وإبرامه اتفاقيات مع عددٍ من الشركات الصينيَّة العملاقة ورغبتها في العمل في السوق العراقيَّة الواعدة 
تعدُّ واحداً من الحلول المهمة للأزمات الخدميَّة التي يعاني منها العراق أصلاً, خصوصاً أنَّ الحكومة العراقيَّة قد تعهدت للشركات الصينيَّة بتوفير ضمانات كافية من الأمن للخبراء والفنيين الصينيين في حال قدومهم الى العراق, فضلاً عن تقديم شحنات من النفط كضمانات للتسديد في حال عدم توفر السيولة المالية الكافية لتمويل المشاريع المقترحة والتي يتمنى الشارع العراقي أنْ تكون هناك مسارعة حقيقيَّة وجديَّة للشروع بها.
 
تحديات الارهاب
لقد مرَّ على التغيير أكثر من 16 عاماً والتي مرت فيها تحت النهر مياه كثيرة ومشكلات وعقبات سياسيَّة وتحديات إرهابية خطيرة وهناك أخطاءٌ وتقصيرٌ فادحٌ وعمليات فساد حدثت خلال الحكومات السابقة وهي جميعها تنتظر أنْ يرفع الغطاء عنها ويفتح التحقيق فيها من جديد واسترداد الأموال التي نُهِبتْ في عهد الحكومات السابقة التي تتحمل مسؤولية ما حدث من فساد وأخطاء في عهدها.
الاحتجاج والتظاهر حقٌ مكفولٌ للجميع وطرح المطالب بشكل سلمي بعيداً عن كل أشكال ومظاهر العنف والاعتداء على القوات المكلفة بحفظ النظام والممتلكات العامة وهو السلوك المفترض أنْ يلتزم به المحتجون، وعلى الحكومة ومجلس النواب تحليل ومراجعة أسباب الاحتجاجات والتظاهرات وتنفيذ برامج الحزم الإصلاحية والقرارات التي تم الإعلانُ عنها بنزاهة وشفافية واضحة ومنع حصول أي تلاعب أو التفاف على تلك القرارات من قبل الجهات المخولة بذلك وكسب ثقة الشارع العراقي وهو أمرٌ مهمٌ وكفيلٌ بإعادة المتظاهرين والمحتجين الى منازلهم وتجنيب البلاد وشعبها مخاطر وأزمات لا يعرف أي أحد كيف ستنتهي ومتى ستتوقف.