في النقد والنقد الثقافي

ثقافة 2019/10/11
...

علوان السلمان
 
... النقد هو الكشف عن الأسرار المكنونة خلف المعاني والصور والمفردات برؤية موضوعيَّة تعتمدُ منهجاً جمالياً (نابعاً من الحدس والمتفجر من العاطفة) على حد تعبير كروتشة الايطالي.. كونه يشكل أحد مرتكزات العمليَّة النقديَّة الفاعلة بفعلها البنائي.. فضلاً عن الأساليب الفنيَّة المضافة التي بفقدها يفقد تميزه وأثره وفاعليته المستفزة للفكر والمحركة له بتساؤلاته.
إنَّ حاضر الحركة النقديَّة اليوم يشهدُ نشاطاً واضحاً من خلال الدراسات والمقالات المعالجة للوضع النقدي الذي هو نتاج الواقع وجمالياته، ومن حصيلة القراءات النقديَّة شيوع مصطلح النقد الثقافي الذي هو (نشاط فكري يتخذ من الثقافة بشموليتها موضوعاً لبحثه وتفكيره، فيعبر عن مواقف ازاء تطورها وسماتها..) كما جاء في دليل الناقد الأدبي.
إنه ظاهرة أدبيَّة رافقت ما بعد الحداثة في مجال النقد فكانت رد فعل على البنيويَّة اللسانيَّة والسيميائيات التي تعنى بالأدب بوصفه ظاهرة لسانيَّة شكليَّة من جهة ومن جهة أخرى بوصفه ظاهرة فنيَّة وجماليَّة، فضلاً عن اهتمامه باستكشاف الأنساق الثقافية المضمرة ودراستها في سياقها الثقافي والاجتماعي والتاريخي..
إنه مقاربة متعددة الاختصاصات باستكشافها الأنساق الثقافيَّة وجعل الخطاب النصي أداة لفهم المكونات الثقافيَّة المضمرة.. لذا فهو يختلف عن الدراسات الثقافية التي تهتم بعمليات إنتاج الثقافة وتوزيعها واستهلاكها.
النقد الثقافي مصطلحاً لم يتبلور منهجاً إلا بتنظيرات الناقد الأميركي فنسان ليتش عبر كتابه (النقد الثقافي: نظرية الأدب لما بعد الحداثة).. الذي دعا الى نقد ثقافي متجاوزاً نفق الشكلانية والنقد الشكلاني الذي حصر الاشتغالات النقدية داخل إطار الأدب، إضافة الى تعامله مع الخطاب النصي في ضوء التاريخ والسوسيولوجيا عبر رؤية ثقافية تعتمد استقرائية واعية 
شاملة.
وقد سار على خطاه عبدالله الغذامي في كتابه (النقد الثقافي.. قراءة في الأنساق الثقافية العربية/2000.. وفيه يعتمد (الجملة الثقافيَّة والمجاز الثقافي والتورية الثقافية والدلالة الثقافية والوظيفة النسقية والنسق المضمر..)، وكشف عن فهمه الذي يتعامل مع النص تعاملاً ثقافياً بعيداً عن البنية الشعرية واللسانية والسيميائية.. لذا فهو يعتمد السنية الادوات ومعرفية القيمة وثقافة المضمون.. فضلاً عن انه يتخذ من المجاز والتورية والنسق المضمر والدالة النسقية بعيداً عن الايديولوجيا.. بصفته نسقا ثقافيا وتاريخيا متشكلا عبر البنية الثقافية والحضارية ويتقن الاختفاء تحت عباءة النصوص كما يقال.. اضافة الى دوره الفاعل في توجيه عقلية الثقافة وذائقتها وتحديد سيرتها الذهنية والجمالية كما يقول العذامي..
كل هذا يكشف عن ان المنظرين له يحاولون اعلان موت النقد الادبي بعد ان تم اعلان موت المؤلف عند البنيويين معتبرين آفاق النقد الادبي باتت لم تعد قادرة على استيعاب مفردات الوجود الكونية 
وتحولاتها..