ممنوع الضحك

اسرة ومجتمع 2019/10/11
...

ميادة سفر
 
علمونا أنَّ “الضحك بلا سبب قلة أدب”، لكنهم نسوا أو ربما تناسوا مقولة “اضحك تضحك لك الدنيا”، تربى الأولاد أن الرجل لا يضحك، لا يبكي، الرجولة تجهّم وعبوس، وتحولت الضحكات إلى مقياس للأدب والتربية بنظر البعض، فإذا أطلق أحدهم ضحكة عالية فويلٌ له، ويزداد الأمر سوءاً إذا كانت صادرة عن امرأة، فتنهال عليها أسوأ الصفات وأقذع الألفاظ.
في حين تسعى دول كثيرة للترفيه عن شعوبها، لدرجة افتتاح مدارس لتعليم الضحك، لما له من دور في تعزيز مناعة القلب، وكمضاد للاكتئاب والتوتر والضغط النفسي، أصبح الضحك في بلادنا ضيفاً غير مرغوب فيه لدى الكثيرين، وتحول إلى تصرف سطحي ومصطنع، وفي أحيان كثيرة مجاملة، لا يخرج من القلب، وتحولت صباحاتنا ومجالسنا وأحاديثنا مع الأهل والأصدقاء لحوارات يتخللها كثير من النق والتأفف والازدراء.
لطالما مورست سياسة ممنوع الضحك، في المدرسة ويل للطالب الذي يضبط متلبساً بضحكة أثناء إلقاء المعلم للدرس، وفي البيت ظروف عديدة حكمت وتحكمت وكبتت ضحكاتنا ومنعتها من الانطلاق، فكم من مرة أغلقنا أفواهنا وحبسنا ضحكاتنا، بسبب نظرة غاضبة أو تهديد مبطن.
تشير الدراسات إلى أنّ الإنسان مع بداية القرن العشرين كان يضحك ما يقارب عشرين دقيقة يومياً، أما في أواخر ذلك القرن فقد تضاءل المعدل، حتى وصل إلى ست دقائق فقط، الأمر الذي ينبئ بزيادة الكآبة والقلق والتوتر، ومؤكد أن هذه النسبة تزداد في البلدان العربية نظراً للظروف المتردية التي يعيشها الإنسان العربي، الذي بات يحسُّ بتأنيب الضمير إن هو قضى لحظات في التسلية والضحك، لأن ثمة أمورا أكثر أهمية من صحته النفسية عليه تأمينها والعناية بها.
إنّ الضحك ينتقل بالعدوى، وما أجملها من عدوى تريح الأعصاب، وتخفف التوتر، وتنشط الذهن، وللسيدات يفيد الضحك في تمرين عضلات الوجه، فيغنيكن عن كثير من مستحضرات التجميل والبوتكس والفيلر وسواها.
هي إذاً دعوة للضحك والترويح عن النفس، يمكننا أن نضحك بهدوء وبصوت عال من أي شيء، لكن لا يجب أن نضحك على الآخرين، لا نضحك مع ذلك الذي يسخر من الغير بعنصرية وتعالٍ، ولا مع من يمارس نفوذه المادي والمعنوي على الفقراء والأطفال فيقوم بتصرفات تذلهم وتحقرهم ليقهقه معتبراً أنه انتصر على ضعفهم، لنضحك للمواقف اللطيفة التي لا تؤذي مشاعر الآخرين، ولنفتح الأبواب لكل اللحظات الجميلة التي تخرجنا من حالة التوتر والحزن.
هامش: يذكر أن الموت من الضحك يصنف ضمن قائمة الوفيات النادرة، ينتج عن إصابة بسكتة قلبية أو اختناق بعد نوبة ضحك هستيرية.