للكاتبة العراقية منى الصراف روايتان هما (بتوقيت بغداد) و(للعشق جناحان من نار) تحمل رواية (بتوقيت بغداد) هماً انسانياً ضخماً سربته الكاتبة من خلال ابطال قلائل، تناولت مفردات الغربة داخل الوطن والهجرة الى الغربة الخارجية وان كانت قريبة ومحاذية للهم العراقي.
انقسمت هذه الرواية الى قسمين او هكذا بدا لي القسم الاول يدور بعد هروب البطل الى خارج العراق لدولة محاذية حيث يتعرف على صديق له هناك والقسم الثاني يدور في الحافلة التي ستقلهم الى الابدية ، هذا القسم اخذ الجزء الاكبر من الرواية وصار يهيمن على سيرورة الحدث الروائي ويجزّئه ويوزعه على اشخاص جدد يركبون في الحافلة، سمهّا حافلة الموت او حافلة الحياة الآخرة، حافلة الوطن المتفجر، انها حافلة السرد التي حفلت فعلاً بمقدرة الكاتبة على السيطرة والالمام بحدثها وبلغة مقتصدة امسكت بخيوطها لتحركها بكل دقة
واناة.
لكن الامر الذي يدعوالى التساؤل هو تيقن الارهابي من تفجير نفسه والحافلة لكن الروائية اعادت الحدث الروائي من جديد ومن غير ان يحدث الذي حدث اول مرة وان تيقن هذا الارهابي بوقوع الانفجار وموت الركاب فيه وهي دعوة ذكية لاعادة صياغة الحياة رغم هيمنة الموت والعيش المستحيل في بلد مكبل بالخوف والموت
والدم.
بينما في روايتها الاخرى (للعشق جناحان من نار) سيطر الحس الاسطوري والحكواتي على النص الروائي وجعلته يدور في حبكة الحب وتنوع فصوله من والى الصحراء والمدينة والقدرة على المحاكاة والحوار الذي قد يبدو معقلناً لكنه يعيش خارج ظروف هذه العقلنة الواقعية، لان مكان الرواية وسياقاتها المنطقية تعيش خارج منطق المدينة والواقع، لهذا اقول ان نفس الحكاية الخرافية والاسطورية هو المسيطر على روح النص السردي لديها وهي تجربة قد لا يتناولها الكثير من الروائيين لسبب
ما.
لكن منى الصراف صارت حكواتية باقتدار حين وضعت ثيمة الحب في الواجهة وصارت تحاكم العاشق والمعشوق والغريم وان بدا هذا الغريم خارج الانسنة تماماً ، انه وحش عاشق تماماً كما في اسطورة (الوحش والحسناء) التي كثيراً ما تناولتها السينما العالمية أفلاماً ومسلسلات، والغريب في الامر ان العاشق في نهاية الرواية لايبدو كما هو عليه عادة في المزاج العام للحكايات والقصص بانه عاشق وفي ومخلص ويتوق الى حبيبته ، وقد وصل بنا الامر ان نوقن بصدق عواطف الوحش في حبه للبطلة رغم انسانيتها وميلها لحبيبها الانسي ولكن احياناً يحمل الانسي روح الجن والعفاريت وان بدا في مظهره الانيق الانساني.
استطيع ان اقول في الخاتمة ان الروائية (منى الصراف) كانت القاضي الفعلي الذي ترك ابطاله يتصرفون بتلقائية وبروح عاطفية جياشة تحمل في الباطن قدرة على التخفي وان تجلّت بعض سمات الزوغان والهروب من قوانين العشق المعروفة لدى العاشقين، ان الانثى العاشقة في ذات البطلة لها القدرة هنا على التوغل والاكتشاف رغم الكلام المنمق، لكن الليل وغياب القمر والشعر الطويل المنسدل هو تأكيد لتلك الانا الانوثية التي تفوقت باكتشافها الحقيقة
كاملة.