سيكولوجية الجيل الجديد

آراء 2019/10/12
...

سعد العبيدي 
 
تفاجأ المجتمع العراقي والدولة بما أظهره شباب بمتوسط عمر قارب العشرين من إصرار على التظاهر والاحتجاج، وسرعة التجمع والسيطرة، إذ أنهم وعلى الرغم من خروج البعض منهم والمدسوسين بينهم عن المألوف في التظاهرات التي خرجت بداية هذا الشهر تشرين، إذ التوجه صوب العنف والتشدد، لكن آراءهم المطروحة وشكل مطالبهم وهتافاتهم تبيّن وكأنّهم جيل يختلف عن باقي الأجيال، أو جيل لا يمت نفسياً لما سبقه من أجيال، فالتصاقهم بالعراق مثلاً كان واضحاً على العكس من تلك الأجيال السابقة التي تعرضت الى عمليات محو للمشاعر الوطنية على أيادي الدكتاتور صدام حسين وحاشيته للمستوى الذي صغر فيه الوطن داخل العقول وحار فيه القوم بين القومية الفضفاضة وبين الوطنية
 الضيقة.
 جيل يختلف أيضاً عمن سبقهم في الفكر المؤدلج، فهم عموماً لم يقرؤوا رأس المال وفي سبيل البعث واقتصادنا، فتخلصوا نسبياً من الأيديولوجيات التي تسير أصحابها عن بعد مثل الروبوتات، وفي الجانب المقابل عاشوا سنّي حرمان وحروب، تلمسوا في الشارع والمحلة والبيت الذي يعيشون فيه مسالك مقت وانحيازا طائفيا وكماً من العدوان في النفوس، فخرجوا مشحونين بالعتب على المجتمع الذي عاشوا فيه وشاهدوا معالم سلوك أصحابه، راغبين في تغييره والعيش بسلام، وخرجوا أيضاً شاعرين باليأس والإحباط من التفريق بينهم وبين المنتمين الى الأحزاب وأولاد المسؤولين وأقرباء المحظوظين، فتكونت في داخلهم رغبات قوية في التخلّص من تلك المشاعر السلبية وتأمل العيش في مجتمع أكثر أمناً واستقراراً. 
إنّ هذا الجيل نما وترعرع مع الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فصار جزءاً منها يعي سحرها في المتع والتحريض، يحسن استخدامها في الاتجاه الذي يريد. وهو جيل لا يخلو من بعض أوجه القصور مثل باقي الأجيال، لكنه مختلف عنها جميعاً من نواحي القرب من الوطن، والقدرة على تحريك المشاعر الوطنية وجلب الاستعطاف، يصعب اتهامه بعثياً أو ملحداً
 ولا متديناً. 
جيل خاص لا بدّ للدولة والحكومة والمجتمع بشكل عام التنبّه الى خصائصه وحاجات عيشه والتعامل معه بغير الطريقة التي كانت تتعامل بها كسلطات ضابطة مع باقي الأجيال، لأنه وفضلا عن خصائصه المذكورة فإنّه بعمر مبكر، خلاله يحلم ويتخيل ويتأمل ومستعد الى التضحية حول قضايا لا يفكر أبناء باقي الأجيال التضحية من أجلها. لذا يصبح ضرورياً التعامل معه بالطريقة التي تسمح بتهدئته دون استفزازه، باستمالته الى جانب الدولة، وعدم التفكير بإبعاده عنها، سد حاجاته الى العيش وتحقيق الذات، مساعدته على التخلص من الشوائب التي علقت في ذاكرته عن العشيرة والطائفة والدولة. 
عندها فقط يمكن القول إنّ هذا الجيل واقف في الاتجاه الصحيح قادر على بناء وطن يؤثر فيه ويتأثر به، وبعكس هذا ستجد الدولة والمجتمع أنهما في واد وهذا الجيل في واد آخر، تفصل بينهما مسافة طويلة لا تصلح أن توصف بالوطن.