تتجه الأنظار صوب سبل خلق فرص عمل كبرى في البلاد وهذا أمرٌ ليس بالمستحيل، وهنا يمكن أنْ نعود الى زيارة الوفد العراقي الى الصين ونقف عند مخرجاتها ظاهرياً ومن زاوية التعاقدات والبروتوكلات تجد أنَّ هناك اتزاناً ملحوظاً في اختيار القطاعات التي شملتها التعاقدات وبالأخص قطاعي الكهرباء والمدن الصناعية والتي يمكن أنْ تكون انطلاقة حقيقيَّة ومستدامة للوظائف. ولكي تكتمل الصورة لدى المراقبين والمحللين الاقتصاديين لا بدَّ من الإجابة عن استيضاحاتهم بكل شفافية لكي يمسكوا بأدوات التقييم الحقيقي والدقيق لنتائج هذه الزيارة، بحيث يكون هذا التقييم قوة فاعلة لدحض التشكيك غير المبرر لدى البعض احياناً. ففي مقال سابق كنت قد أشرت الى ضرورة التمييز بين جدوى التعاقدات عن الاتفاقيات البروتوكولية باعتبار الاولى هي الاهم، فيما الثانية غير ذي فائدة آنية، كونها غير ملزمة للطرفين إنما قد تمهد وتترجم الى تعاقدات في ما بعد وهذا نادرالحصول. ثم ركزت على قطاعي الكهرباء والمدن الصناعية وهما قطاعان مهمان تربطهما علاقة جدلية لتنشيط الواقع الانتاجي والتنموي للبلد.
فالتعاقدات على قطاع الكهرباء كانت خطوة في الطريق الصحيح لكنها متواضعة ولا ترقى الى حجم الحاجة الفعلية خصوصاً مع التوجه نحو تفعيل إنشاء المدن الصناعية المشتركة، والسبب لأنَّ الكهرباء هي البنية التحتية الاساسية للشروع بإنشاء المدن الصناعية عدا حاجة البلد الأخرى لها، فلا بدَّ من التوسع في هذه التعاقدات.
أما في ما يخص قطاع المدن الصناعية المشتركة فهي الأخرى تشكل العصب المهم والداعم للاقتصاد الوطني لكن على ما يبدو لم توقع تعاقدات على إنشائها، إنما تم توقيع اتفاقية بروتوكوليَّة على إنشاء خمس مدن صناعية مشتركة في عدد من المحافظات، وهذا ما ذكره بيان صادر عن وزارة الصناعة جاء فيه إنَّ وزير الصناعة كشف عن الاتفاق بالأحرف الاولية على هذه المدن، غير أنه كان قد أشار الى اتفاق قد تم لإنشاء مدينة صناعية صينية لإنتاج المنتجات الصينية وهنا لا بدَّ من وقفة تقويميَّة لمثل هذه الاتفاقيات. إذاً لا بدَّ على المفاوض العراقي أنْ يتوخى الدقة في التوقيع على مثل هكذا تعاقدات مهمة وأنْ يشترط أنْ تكون المدن الصناعية تنتج منتجات مشتركة عراقية صينية بتكنولوجيا صينية متطورة لتنشيط الإنتاج المحلي، ولا بدَّ من أنْ تسهم هذه المدن الصناعية المشتركة في استيعاب البطالة وخلق فرص عمل للعاطلين في المحافظات التي تنشأ فيها هذه المدن، وهنا تكمن أهميتها في معالجة واحدٍ من أبرز التحديات التي يواجهها اقتصاد البلد.
في مثل هذه الحالة الحكومة مطالبة بتسريع توقيع التعاقدات مع الصين على إنشاء هذه المدن وفقاً لما اقترحناه من أسس رصينة داعمة لبرامج التنمية وكذلك ليتسنى تنفيذها بموازاة تنفيذ عقود الكهرباء لكي تسهم بالنهوض الاقتصادي المطلوب. هناك اتفاقيات وتعاقدات أبرمتها الصين مع الدول الاقليمية المجاورة كالكويت وإيران من المفيد الاطلاع على مضامينها وآلياتها للاستفادة منها وعدم الوقوع في فخ الأخطاء.