حسين الذكر
الجميع يدعو للإصلاح..! الجميع يتبرأ من الفساد..! لكنَّ الواقع العراقي أغلبه يدورُ في حلقة الإحباط. السؤال هنا، لماذا فشلت جميع معالجات الفساد مع خمسة عشر عاماً من ديمقراطية الشعار والشكل معززة بعدد من الدورات البرلمانيَّة والحكومات المنتخبة؟.. تبدو الإجابة عسيرة.. لكنَّ بعض التصريحات الحكوميَّة قد تكون سنداً أو أساساً يمكن الالتفات إليه معززاً بحقائق أقرب منها لفرضيات وأرقام إعلاميَّة. ففي إحدى الندوات الإصلاحيَّة، طرحتْ أسئلة حبلى عن كيفيَّة عمل جهاز مكافحة الفساد المشكل بقرار حكومي وأمل شعبي كبير، وقد جاءت الإجابات بما يشبه الصدمة. الرشوة في الجهاز الحكومي تتعدى نسبتها الثمانين بالمئة.. فأي سجون ومحاكم تكفي لإيواء الفاسدين.. هكذا أجاب أحدهم. من جانبه السيد ليث كبة عقب قائلاً: “إنَّ الفساد أصبح مافيات ورؤوساً ويشغل حيزاً كبيراً متشعباً تمتدُّ شبكاته داخل وخارج العراق بصورة تستعصي معالجتها بضربة واحدة، لا سيما في واقع ما زالت تتحكم فيه المحاصصة والقوميَّة والطائفيَّة، لذا تطلب أنْ يكون الاحتكام الى منطق العقل والبحث عن مخارج تستهدف الإصلاح تندرج بعدد من الأسئلة يمكن لها أنْ توضح المشهد:هل الأولى بالحكومة أنْ تضرب الرؤوس لتسقط أذناب الفساد؟ أم ينبغي معالجة القاعدة وعزلها عن الرؤوس والمفاصل ليسهل علاجها؟
في حوار هادئ بين رجلين مسنين كنت أستمع لجمال تعاطيهم بروح وطنيَّة وأساليب واقعيَّة لحل الإشكاليَّة، قال أحدهم:
- أعتقد أنَّ المشكلة أساساً لا تتمثل بوجود فاسدين، بل بنوايا الإصلاح وفعل المصلحين لمعاقبة الفاسدين وتحجيمهم؟
- أجاب الآخر: (القضيَّة كلها تتعلقُ بالفرق بين حاكم عادل يحاربُ الفساد ويجلد ذاته ونفسه قبل الآخرين ويمكن له أنْ يتحمل الضرر والتضحية في سبيل ذلك.. وآخر يحمي الفاسدين!).
ملاحظة مهمة هنا.. حينما نقول السلطة والحكومة في العراق الجديد تحديداً.. فلا نقصد رئيس السيد رئيس الوزراء أو مجلس حكومته.. فالجميع يعلم أنَّ مركز القرار والسلطات بيد رؤساء الكتل هم من يسيطر على البرلمان وهم من يحرك الشارع ومن يسمح ولا يسمح للحكومة باتخاذ أي خطوات.. وهذا ينطبق على جميع حكومات ما بعد 2003..
دعونا نعود قليلاً الى مشيّد حكم العدالة والإصلاح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لوجدنا ما يكفي من مناهج إصلاحيَّة لحل أي إشكاليَّة شريطة أنْ تتخذ منهجاً ووسيلة وغاية ونية وليس شعاراً فقط.
كيف أسس الإمام دولته العظيمة قبل ألف وأربعمئة سنة.. فلنقرأ ما أوصى به مالك الأشتر عامله على مصر:
1 - اُنْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اِخْتِيَاراً اِخْتِبَاراً وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا مِنْ شُعَبِ اَلْجَوْرِ وَاَلْخِيَانَةِ.
2 - تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ اَلتَّجْرِبَةِ وَاَلْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ اَلْبُيُوتَاتِ اَلصَّالِحَةِ وَاَلْقَدَمِ فِي اَلْإِسْلاَمِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ.
3 - تَحَفَّظْ مِنَ اَلْأَعْوَانِ.
4 - تذكر إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ.
5 - ليس لَكَ أَنْ تتصرف فِي رَعِيَّةٍ وَلاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ.
6 - ثم يحذره قائلاً: (إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً لم تعهدها).
في مقطعٍ من عمق التاريخ الإصلاحي سأل امبراطور الصين مستشاره الخاص قائلاً: “ما قولك في قتل من لا مبدأ لهم ولا ضمير من أجل إصلاح الأمة؟ فأجاب الفيلسوف كنفوشيوس: (وما حاجتك إلى القتل في قيامك بأعباء الحكم؟ لتكن نيتك الصريحة البينة فعل الخير، فيكون الناس أخياراً. إنَّ العلاقة القائمة بين الأعلى والأدنى شبيهة بالعلاقة بين الريح والكلأ، فالكلأ يميل إذا هبت عليه الريح، وإذا كانت القدوة الحسنة أولى وسائل الحكم، فإنَّ حسن الاختيار للمناصب وسيلته الثانية: “استمل الصالحين المستقيمين، وانبذ المعوجين، وبهذه الطريقة يستقيم المعوج).