نظرية «الشق والرقعة}

آراء 2019/10/13
...

حمزة مصطفى
دائماً يُسعفنا تراثنا الشفاهي الذي خلفه “أهلنا” لنا بمزيدٍ من الأمثال. تلك الأمثال التي كانوا يتداولونها بينهم حتى وإنْ كانت في غالبيتها العظمى “بايخة” لكنها ذات مدلول لواقع الحال القديم ـ المتجدد، والذي يبدو أنه “باق ويتمدد”. من بين تلك الأمثال التي يحفظها كل العراقيين من مختلف الأديان والطوائف والمذاهب هو المثل القائل “الشگ جبير والرگعة زغيرة”. أعطني عراقياً واحداً من زاخو الى الفاو لا يعرف هذا المثل بمن في ذلك متظاهرو تشرين الأول الحالي الذين ولد معظهم بعد العام 2003 حين كان الجميع يحلم بتصغير “الشگ” وزيادة “الرگعة”.
أنا أنتمي الى جيل لا شغل ولا عمل له سوى تكرار هذا المثل “الشگ جبير والرگعة زغيرة” منذ أكثر من ستين سنة. انتهت الحرب الباردة، وسقط جدار برلين،ومات جيفارا، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وفاز أنور السادات ومناحيم بيغين بجائزة نوبل للسلام، وظهرت اتفاقيات أوسلو واحتلت أميركا العراق وجاء بريمر وخرج بريمر، واستمرت البطاقة التموينيَّة بالتزامن مع بدء ثورة الأصابع البنفسجية كل أربع سنوات، ودخلنا مواسم الجفاف مع موجات توسل بتركيا ألا تغلق نهر دجلة وجاءت الفيضانات ووزعنا العدس في رمضان مع موجة توسل بتركيا أنْ تغلق دجلة الى أنْ “نشوف جارة ويه سد الموصل” وقبلها جاء الربيع العربي وسقط زين العابدين بن علي ومعمر القذافي وحسني مبارك وفازت نادية مراد بجائزة نوبل للسلام واقتحم المتظاهرون المنطقة الخضراء عام 2015 ووقفت الكاميرا طويلاً أمام القنفة البيضاء وجاءت تظاهرات تشرين ليحل الطرف الثالث محل المندسين.
كل ذلك وحين أحدنا يسأل الآخر عن كل هذه الأحداث فإنَّ الجواب الوحيد هو “الشگ جبير والرگعة زغيرة”. ولا بدَّ لأي خبيث يسأل لماذا “شگنا جبير وركعتنا زغيرة” ونبيع 4 ملايين نفط يومياً منها فقط للصين مليون برميل؟ لماذا “شگنا جبير ورگعتنا زغيرة” وموازنتنا 100 مليار دولار سنوياً؟ لماذا لا يكون “شگ” هولندا “جبير” و”رگعتها زغيرة” وهي تصدر ورداً لا نفطاً؟ لماذا لا يكون “شگ” السويد “جبير” و”رگعتها زغيرة” وهي تجلب المليارات من تصدير “النستلة”؟ لماذا لا يكون “شك” سويسرا “جبير” و”رگعتها زغيرة” وهي تعيش على تجارة الساعات؟ لماذا لا يكون “شگ” الإمارات “جبير” و”رگعتها زغيرة” وهي أرض صحراء بحرارة ورطوبة لا تطاقان بينما موارد شركة طيرانها لعام 2018 بلغت 28 مليار دولار؟
الأمر لا يحتاج الى معجزة أبداً. الأمر يتعلق بعدالة اجتماعية وحكم رشيد قوامه الدولة والمجتمع. أنا من الذين يرون أنَّ الحكومات لا تتحمل إلا نصف المسؤولية. النصف الثاني يتحمله المجتمع بكل نخبه وقواه العاملة سواء كانت عمالية أو فلاحية أو تجارية أو صناعية أو سياسية أو فكرية أو عشائرية. نحن في العراق اعتدنا على جلد الذات وتحميل الآخر المسؤولية. وهي معادلة غاية في الصعوبة. لا أحد منا يلقي اللوم على نفسه لكن مستعد يجلد ذاته. اللوم يتحمله الآخر. الحكومة تجلد ذاتها وتحمل الآخر إنْ كان مختلفاً معها بالنوع أو الدرجة في الداخل أو الخارج مسؤولية ما يحصل. المجتمع يجلد ذاته ويريد من الحكومة أنْ تجبره أن يرتدي الحزام “وألا يدفع 150 الف دينار” غرامة. لماذا؟ لأنَّ “الشگ جبير والرگعة زغيرة”.