الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك
اقتصادية
2019/10/13
+A
-A
د. صادق راشد الشمري
إنَّ المصارف الإسلامية لها عدة أهداف، منها تمويلية أو ابتكارية او إدارية داخلية واهتمامها بعملائها... وطالما أنَّ هدفها التنموي هو الأساس لذلك فهي المعنية أكثر من غيرها بتنمية وتطوير اقتصاد أي بلد.. ولذلك فإنَّها مدعوة الى ابتكار أدوات تمويل إسلامية أكثر نفعاً للمجتمع ومتنوعة ومفيدة في الجانب الاقتصادي ومنها عقد الإجارة الذي يحقق استثماراً ناجحاً للأعيان والطاقات البشرية بالعمل واستغلال المهارات. طالما أنَّ عقد الإجارة هو عقد لازم لا يملك أحد الطرفين الانفراد بفسخه أو تعديله من دون موافقة الآخر.. ولكن يمكن فسخه بالعذر الطارئ أو في حالة هلاك العين أو ظهور عيب فيه يحول دون الانتفاع منه.
تطبيقات الإجارة في المصارف الإسلاميَّة
وإنَّ المصارف تعدُّ عقود الإجارة كوسيلة تمويل وإئتمان لما فيها من مزايا كثيرة ويمكن أنْ تسمى البيع التأجيري، أي حق الانتفاع مع الاحتفاظ بحق التملك. وقد أعدت من البيوع المستحدثة في المصارف الإسلامية واعتبرت أيضاً نوعاً من الائتمان المتوسط وطويل الأجل الذي يتضمن عملية تمويل رأسمالية أو تشغيلية لا تهدف الى التمليك. وكون عقد الإجارة لازماً وانه من عقود التمليك على المبادلة بين عوضين والأصل فيها اللزوم لقولة تعالى (أوفو بالعقود).. آية (1) سورة المائدة، مع وجوب تحديد مدة الإجارة وجواز أخذ العربون وكذلك لا يجوز إبرام عقد إجارة آخر بعد إجارة العين باعتبار انه (المنفعة) خرجت من تصرف المالك (المؤجر) بعقد الإيجار الأول فصار محل الإجارة مشغولاً بالمستأجر الأول فلم يبق للإجارة الثانية محلٌ ولا يمكن إدخال مستأجر ثانٍ أو جديدٍ بالاتفاق مع المستأجر الأول على فسخ العقد، وعليه لا يجوز في هذه الصيغة استثمار الأموال.
الإجارة التشغيلية
وهي بيع نفع معلوم بعوضٍ معلوم، وتعني أنْ يقوم المصرف الإسلامي بشراء موجود من الموجودات الثابتة كالمباني والأراضي والالآت والمعدات، وذلك بهدف تأجيره الى الغير بحسب عقود إجارة تتضمن بدل الإجارة والمدة الزمنية للعقد التي يعود الموجود بعدها للمصرف ليؤجرها مرة أخرى
وهكذا. ويقوم المصرف الإسلامي بموجب هذا الأسلوب باقتناء موجودات (آلات ومعدات وأثاث... الخ) مختلفة تستجيب لاحتياجات جمهور متعدد من المستخدمين وتتمتع بقابلية جيدة للتسويق سواء على المستوى المحلي او الدولي ويتولى المصرف اجارة هذه الاعيان لاي جهة ترغب فيها بهدف تشغيلها واستيفاء منافعها خلال مدة محددة يتفق عليها وبانتهاء تلك المدة تعود الأعيان الى حيازة المصرف ليبحث من جديد عن مستخدم آخر يرغب في استئجارها. هذا الأسلوب ببقاء الأعيان تحت ملكية المصرف الإسلامي الذي يقوم بعرضها للإيجار المرة تلو الأخرى حتى لا تبقى من دون استعمال إلا لفترات قصيرة وهو يتحمل في ذلك مخاطرة ركود السوق وانخفاض الطلب على تلك الأعيان، ما يؤدي الى خطر عدم استغلالها.
الضوابط الشرعيَّة للإجارة
* يشترط أنْ يكون المعقود عليه (وهو المنفعة) معلوماً علماً يمنع من المنازعة فان كان مجهولاً جهالة مفضية الي التنازع لا تصح
الإجارة.
* يشترط في العين المؤجرة أنْ تكون مما يصح الانتفاع بها مع بقاء عينها لأن الإجارة تقع على المنفعة لا على استهلاك العين.
* يشترط أنْ يكون المعقود عليه مقدوراً الوفاء به حقيقة وشرعاً فلا يجوز إجارة متعذر التسليم، وإذا كانت العين المتعاقد عليها منفعتها مشاعة وإنْ أراد أحد الشريكين إجارة منفعة حصته فإجارتها للشريك جائزة بالاتفاق كما يجوز إجارتها لغير الشريك عند الجمهور لأنَّ المشاع مقدور الانتفاع به
بالمهاباة.
باعتبار أنَّ المهاباة فيها يجوز الانتفاع بالأرض المشاع المملوكة للشركاء عن طريق قسمة المنافع المسماة (المهاباة) وتعني قسمة المنافع على التعاقب والتناوب بين الشركاء وان محل (المهاباة) هو المنافع دون الأعيان، وان المهاباة من العقود الجائزة اي غير لازمة وان (المهاباة) اذا وضعت صحيحة فيحق لكل شريك من الشركاء أنْ ينتفع ويستغل ما هو محلها ومثلها قسمة منافع السيارات المشتركة المركبة وفي عقد التملك الزمني.
* تنفسخ الإجارة بتلف العين المؤجرة كسقوط الدار أو موت الدابة وعلى المستأجر أجرة المدة السابقة التي تنتفع منها بالعين المؤجرة.
* من استأجر شيئاً فوجده معيباً فإنَّ له حق الفسخ ما لم يكن قد علم بالعيب ورضا ابتداءً به وان انتفع المؤجر مدة فعليه أجرتها.
* يشترط أنْ يتبع المستأجر في استعمال العين المؤجرة ما أعدت له مع التقيد بها شرط في العقد أو بما هو متعارف إذا لم يوجد شرط وليس له أنْ ينتفع منها اكثر مما هو متفق عليه واذا فرط المستأجر في استخدام العين المؤجرة فيضمن سلامتها ويدفع التعويض عما لحق بها من
أضرار.
* يجوز في العقد على المنافع أما المنافع المحرمة فلا يجوز الإجارة عليها لأنها محرمة فلا يجوز مثلا تأجير عقارات لتتخذ وسيلة لعمل محرم (كبيع الخمور او
الملاهي...).
* يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه وذلك بتسليمه العين حتى انتهاء المدة ويشمل التسليم توابع العين المؤجرة التي لا يتحقق الانتفاع المطلوب إلا بها حسب
العرف.
* يشترط بيان المدة في إجارة المنافع لأنَّ المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونها فترك بيانها يفضي الى المنازعة.
* يشترط أنْ تكون الأجرة مالاً متقوماً معلوماً وهي تسري على المستأجر من تاريخ تسليمه للعين المؤجرة من المؤجر لأنَّ عقد الإجارة من العقود الزمنية فلا تستحق الأجرة فيه بالعقد بل بالتمكين من محل
الإجارة.
* يجوز في كل من الإجارة المعينة والإجارة الموصوفة في الذمة تعجيل الأجرة أو تأجيلها أو تقسيطها (حسب الاتفاق).
* يجوز اتفاق الطرفين أثناء فترة الاجارة على إعادة النظر في كل من مدة الإجارة والقيمة الإيجارية الكاملة او المقسطة وذلك لأنَّ عقد الاجارة يقع على فترات زمنية في المستقبل خلافاً للبيع الذي يتم فيه التمليك والتملك
فوراً.
* العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر فلو هلكت دون اعتداء منه او مخالفة او تقصير في الحفظ فلا ضمان عليه لأنَّ قبضه الاجارة قبضاً مأذوناً فيه فلا يكون مضموناً إلا بالتعدي او
التقصير.
* يشترط أنْ يتحمل المؤجر مسؤولية المالك عند تأجيره للعين ومن ذلك تبعة هلاك العين والقيام بالصيانة الأساسية الواجبة على المالك ولا مانع من توكيل المستأجر القيام بإجراءات الصيانة الأساسية لكن لا بدَّ أنْ يكون على حساب المالك
المؤجر.
* يتحمل المالك المؤجر نفقات الصيانة الأساسية الواجبة عليه شرعاً وهي تتعلق بكل ما يتلف من إجراء المأجور التي تدوم طويلا ولا تتلف عادة إلا بسبب عارض ويجوز ان تجعل تكاليف الصيانة العادية التي يحتاج اليها المأجور عادة نتيجة للاستعمال الطبيعي على عاتق المستأجر، لأنَّ هذا الشيء معروفٌ في العادة وهو منضبطٌ ويمكن اعتباره جزءاً من الأجرة التي يلتزم بها المستأجر.
* يجوز بيع وشراء عين مؤجرة ويستمر عقد الإيجار ما دام من آلت إليه هذه العين قد وافق على استمرار واستكمال مدة الإيجار فيحل المشتري محل البائع في ما يخص الالتزامات والحقوق الناشئة عن عقد الايجار السابق وذلك بحسب الشروط والاعراف.
* يشترط سلامة العين المؤجرة وعدم حدوث عيب يخل الانتفاع بها ويكون المستأجر بالخيار بين الابقاء على الاجارة ودفع كامل الاجرة وبين فسخها في حالة حدوث عيب يخل بالانتفاع بالعين.
* يجوز ان يقوم المستأجر بتأجير العين المستأجرة الى طرف ثالث بما لا يزيد على مدة العقد ما دامت لا تتأثر باختلاف المستعمل سواء كان بمثل الاجرة التي يدفعها للمالك ام زيادة.
* بمجرد انقضاء الاجارة يلزم المستأجر رفع يده عن العين المستأجرة ليستردها المؤجر.
* الأصل في عقد الإجارة اللزوم فلا يملك أحد المتعاقدين الانفراد بفسخ العقد إلا لمقتضى تنفسخ به العقود اللازمة من ظهور العيب أو فوات المعقود عليه كانهدام الدار وهلاك العين وقد تفسخ بالأعذار والظروف الطارئة مما يكون قائماً عند العقد.