لا تبدو ثمة آفاق لحل الخلافات بين قطب صناعة السيارات الأميركيَّة “جنرال موتورز” وعمالها الذين نفذوا إضراباً شاملاً عن العمل منذ منتصف أيلول المنصرم، إذ اتخذت المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الإضراب على مستوى الولايات المتحدة من قبل 46 ألفاً من عمال الشركة أشبه بالنفق المظلم، بعد رفض (موتورز) للمقترح المقدم من قادة “نقابة عمال السيارات” ولا يبدو أنَّ الخلاف بين النقابة وعملاق صناعة السيارات سيصل إلى حلٍ قريباً.
خسائر فادحة
كلف إضراب العمال، الشركة، أكثر من مليار دولار في أول أسبوعين، بحسب مذكرة للمحلل في مصرف “جاي بي مورغان” رايان برينكمان. وقدر المحلل التكلفة للأسبوعين الأولين بنحو مليار و140 مليون دولار، مشيراً إلى أنه من المحتمل أن تتمكن “جنرال موتورز” من استرداد جزء من الأرباح المفقودة عن طريق تحويل الإنتاج من الربع الثالث إلى الربع الرابع.
وقدر برينكمان أن تخسر الشركة نحو 82 مليون دولار من الأرباح المتوقعة في أميركا الشمالية يومياً مع استمرار الإضراب، غير أنَّ باتريك أندرسون، الرئيس التنفيذي لـ “مجموعة أندرسون الاقتصادية” أكد أنه مع دخول الإضراب أسبوعه الخامس، ستخسر الشركة 90 مليون دولار يومياً كما ستصبح الخسائر مؤلمة للغاية في عموم الولايات المتحدة، وخاصة في منطقة ديترويت الكبرى.
مطالب ومشكلات
ويقول أندرسون إنَّ الإضراب لا يتعلق بالأجور فقط، إنما تريد النقابة من الشركة، توظيف عمالها المؤقتين بشكل دائم، والموافقة على عدم إغلاق المزيد من المصانع خلال السنوات الأربع القادمة. لكنه يقول إن “جنرال موتورز” ربما لا يمكنها أنْ توافق على مطالب النقابة وتبقى قادرة على المنافسة. وأردف قائلاً: “إنه بالفعل إضراب مكلف للغاية، ومع دخولنا الأسبوع الخامس، فسيصبح الأمر أكثر سوءاً”. من جهته، قال تيري ديتيس، نائب رئيس اتحاد عمال السيارات في الولايات المتحدة، في رسالة موجهة إلى العمال المضربين إن هذه المفاوضات أخذت منحى سيئاً، وأكد أنَّ الاتحاد سيستمر في العمل من أجل التوصل لحل يرضي العمال، خاصة الأمور المتعلقة بزيادة الأجور وتقاسم الأرباح. وأضاف ديتس قائلاً: إنَّ “الشركة لم تتجاوب مع الطلبات المقدمة، وبدلاً من هذا أدخلوا بعض التعديلات على عرضهم الذي سبق ورفضه العمال وهو ما تسبب في خيبة أمل للاتحاد وأعضائه”. وتابع: إنَّ مفاوضي “جنرال موتورز” تمسكوا باقتراحهم المرفوض وأجروا تعديلات طفيفة عليه.. هو لا يقدم شيئاً حيال توفير الأمان الوظيفي خلال مدة العقد البالغة 4 سنوات فقط”. مشدداً “نحن متحدون في جهودنا للتوصل إلى اتفاق يستحقه أعضاؤنا وأسرهم”.
مفاوضات شاقة
وفي بيان لها قالت “جنرال موتورز” إنها مستمرة في السعي ومحاولات إيجاد حلول وتقديم عروض تعود بالفائدة على العمال وتبني مستقبلاً أقوى للشركة، وقد عرض ممثلو “ موتورز” استثمار أكثر من 7 مليارات دولار في السوق الأميركيَّة، ما سيوفر 5400 فرصة عمل جديدة.
وينهمك الطرفان لصياغة اتفاقية عمالة جديدة في الساعات الأخيرة قبل انتهاء مدة العقد الحالي. لكن النقابة أوضحت أنَّ اقتراح جنرال موتورز فشل في المجالات الرئيسة بما في ذلك الرعاية الصحيَّة، واستخدام العمال المؤقتين، وطول المدة التي يستغرقها الأعضاء الأقصر مدة للوصول إلى أعلى الرواتب.
وتسعى النقابة إلى الحصول على رواتب أعلى للعمال المبتدئين الذين يبدؤون حاليًا بأقل من 20 دولاراً في الساعة، ويصلون إلى ذروة الأجر التي تبلغ نحو 30 دولاراً في الساعة خلال 3 - 4 سنوات، بدلاً من الفترة الحالية البالغة 8 سنوات. كما يريد قادة عمال السيارات أيضًا، أنْ تستثمر جنرال موتورز في المصانع الأميركيَّة، وربما تصنع سيارات جديدة أو تحريك مجموعات نقل في بعض المصانع الأربعة التي لا تملك حالياً منتجات مستقبليَّة
لتفعيلها .
خطط الشركة
تسعى “جنرال موتورز” إلى خفض تكاليف الرعاية الصحيَّة وغيرها من النفقات، في حين تأمل النقابة في جعل الشركة تنتج المزيد من السيارات في مصانع الولايات المتحدة وإعادة فتح مصنع في لوردستاون (أوهايو)، الذي توقف منذ آذار.
ويركز الاتحاد جهوده التفاوضيَّة على جنرال موتورز، مع تعليق المحادثات مع القطبين الآخرين فورد موتور وفيات كرايسلر، حيث تنتهي العقود الأربعة مع كل مُصنِّع قريباً، بيد أنَّ النقابة اتفقت معهما لاحقاً على تمديد عقودهما إلى أجل غير مسمى فيما تواصل التفاوض معGM . وتقول الشركة إنها مستعدة للتفاوض على مدار الساعة للتوصل إلى اتفاق. وقالت: “نواصل العمل بجد على إيجاد حلول لبعض التحديات الصعبة للغاية”.
عروضٌ استثماريَّة
ردت جنرال موتورز بأنها قدمت لنقابة العمال عرضًا سخيًا للاستثمار في ثمانية مصانع في أربع ولايات، بما في ذلك إنتاج سيارة جديدة (سيدان) في مصنع سيارات ديترويت-هامترامك، الذي كان من المقرر أنْ ينتهي الإنتاج به مطلع العام الجديد.
كما تخطط الشركة لإقامة أول مصنع لبطاريات السيارات الكهربائيَّة في الولايات المتحدة، في مصنعها في لوردستاون (أوهايو)، إذ سبق وعطلت جنرال موتورز المصنع الذي كان لديه ثلاث نوبات عمل يوميَّة لتصنيع سيارات شيفروليه كروز المدمجة، كما عرضت “موتورز” على العمال مكافأة توقيع قدرها 8 آلاف دولار لكل عضو إذا صادقوا على الصفقة، بالإضافة إلى مكاسب الأجور أو مدفوعات المبلغ الإجمالي في كل السنوات الأربع من العقد. وتقول الشركة إنها تقدم عرضًا لإبقاء مساهمات الأعضاء في الرعاية الصحيَّة كما هي في العقد الحالي.
تاريخ الإضرابات
هذا هو الإضراب الثالث في تاريخ شركة “جنرال موتورز” منذ إضراب دام 67 يومًا في العام 1970. كما قام العمال بإضراب لمدة 54 يومًا في مصنع رئيس في فلينت (ميشيغان) في العام 1998 وأغلقت فعليًا معظم مصانع التجميع التابعة لموتورز.