لماذا يتهم أكراد سوريا الولايات المتحدة بالخيانة؟

بانوراما 2019/10/20
...

نبيه بولوس
 
ترجمة: بهاء سلمان
 
جوبه اعلان الرئيس الأميركي ترامب يوم السادس من تشرين الأول الحالي سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا بانتقاد لاذع في واشنطن وأماكن أخرى، ليثير جدلا واسعا حول مستقبل المنطقة وسكانها.بداية، من هم المقاتلون الأكراد؟ انهم واحدة من مجاميع عديدة انخرطت في الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت سنة 2011.
وحينما انسحبت القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد من المناطق ذات الغالبية الكردية شمالي البلاد، نهض حزب كردي يعرف بـ "حزب الاتحاد الديمقراطي لسوريا" وجناحه المسلّح، المعروف بـ  "وحدات حماية الشعب"، للدفاع عن تلك الأراضي وادارتها ضد فصائل متشددة مختلفة ومتناحرة على سلطة المنطقة.
لم تكن هذه المجموعة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة مع بداية الحرب، فقد دعمت بدلا منها فصيلا معارضا للدولة السورية يدعى "الجيش السوري الحر"، وهو يضم مجاميع عسكرية متمرّدة مع فئات مختلفة تقاتل الحكومة السورية، وتصادمت أيضا مع الأكراد. 
لكن سنة 2014 شهدت بدء عصابات "داعش" الارهابية حربا خاطفة من الأراضي الواقعة على الحدود السورية العراقية، ليفرضوا سيطرتهم على مناطق شمالي العراق، ويضيفوها الى أراض أخرى كانوا يسيطرون عليها مسبقا داخل سوريا لتوسيع دولتهم
المزعومة.
 
تدخّل أميركي
خلال أيلول 2014، فرض الارهابيون حصارا على كوباني، وهي مدينة يسيطر عليها الأكراد تقع مباشرة على الحدود مع تركيا، وكادت أن تسقط بيد الدواعش عندما تدخّل الأميركان، مطلقين ضربات جوية ومقدمين المساعدة للجناح الكردي المسلح لطرد المتشددين، لتصير تلك الجهود بمثابة برنامج عمل للشراكة بين الأميركان والأكراد.
وبخلاف عدة مجاميع متمرّدة سورية، كانت فصائل "وحدات حماية الشعب" متلهفة لمقاتلة مسلحي تنظيم داعش في كل مكان.
وأغدقت واشنطن السلاح على المقاتلين الأكراد ودربتهم، وأرسلت قوات خاصة وقوة جوية لتمهيد الطريق أمام هجماتهم على مسلحي التنظيمات المختلفة المشابهة لفكر داعش والمعروفين بتشددهم ضد من يخالفهم العقيدة، وجعلت من المقاتلين الاكراد رأس حربة القتال ضد تلك التنظيمات، وفي قلب تجمع الميليشيات أطلق عليه "قوات سوريا الديمقراطية"، أو (قسد). 
ومع بداية هذا العام، تمكّنت القوات الكردية، وبدعم من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ويضم عشرات الدول الأخرى، من طرد "داعش" من آخر معاقلها في سوريا وإزالة دولة الخلافة المزعومة؛ بيد أن الانتصار كلف قسد حياة أكثر من 11 ألف مقاتل انضم لصفوفها.
وبالمقابل، انتفع الكرد من سخاء الولايات المتحدة والتحالف لضمان سيطرتهم على شمال شرق سوريا وإدارتها ذاتيا لمنطقة مستقلة بشكل كبير عن الدولة السورية. هنا يبرز سؤال مهم: مع زوال حكم "داعش"، لماذا ظلت الولايات المتحدة تدعم الأكراد؟ 
وعلى الرغم من عدم سيطرة الدواعش على أراض ذات أهمية كبرى، لا يزال التحالف الدولي والميليشيات المتعاونة معه تطارد آلاف الارهابيين المختبئين في الصحارى النائية داخل سوريا؛ كما يخدم الأكراد أيضا هدف رفض سيطرة نظام الأسد، وحلفائه في روسيا وايران، على المناطق الستراتيجية، حيث يمكن القول بأن شمال شرق سوريا تعد المنطقة الأغنى في البلاد، مع وجود النفط والمياه والمعادن؛ كما تمثل أيضا المعبر الرئيس الرابط لسوريا مع العراق.
 
تقوية السلطة
ومع الحماية الأميركية، استفاد الأكراد من هذه الموارد لتمويل طبقة الموظفين لديها البالغ عددهم 140 ألف موظف مدني يخدمون أعدادا من السكان تفوق المليوني نسمة. 
وتلقى الأكراد تشجيعا من الولايات المتحدة كنموذج تقدمه لما ينبغي عليه أن تكون حكومة سوريا 
مستقبلا. 
الرئيس ترامب، مع هذا، لم يكن مقتنعا بهذه الحجج، ولطالما دعا الى انهاء الوجود الأميركي في البلاد، ثم أذعن بعدها للضغوط السياسية الرافضة لذلك. 
وبعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب اردوغان مؤخرا، أعلن أن الوقت قد حان لسحب قوات بلاده من سوريا.
وتعتقد تركيا جازمة بتابعية وحدات حماية الشعب لحزب العمال الكردستاني، وهي حركة انفصالية كردية تشن تمردا مسلحا منذ عقود، وتعتبر كلا التنظيمين من المجاميع الارهابية. وتخشى الحكومة التركية من تأسيس المتمردين لحاضنة آمنة شمالي سوريا، كما هو الحال في شمال العراق، وتشن هجمات من هناك باتجاه تركيا.
وألقت الشراكة الأميركية الكردية بظلالها على معظم سياسة تركيا مع واشنطن، مع دوام ضغط اردوغان على أميركا بالسماح لقواته والجماعات السورية المدعومة من قبله لفرض سيطرتها في القتال ضد عصابات "داعش" داخل سوريا. 
طيلة السنتين الماضيتين، نفذ الجيش التركي هجومين عبر الحدود ضد المقاتلين الأكراد، مجتاحا مناطقهم وقام بتنصيب فصائل سورية متمردة موالية لتركيا بدلا عنهم.
وتهدف تركيا الى طرد المقاتلين الاكراد من منطقة عازلة بعمق 30 كيلومترا بموازاة الحدود التركية السورية؛ لتعقب ذلك خطط لتكرار ما فعلته في مناطق سورية أخرى تسيطر عليها، وهو اعادة بناء تلك المناطق بواسطة شركاتها لاعادة توطين أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري يقيمون في تركيا داخل هذه المنطقة الآمنة، كما يصفها الأتراك. وبطبيعة الحال، الهدف التركي الآخر الذي يتمثل بسحق المقاتلين الأكراد السوريين ووضع حد لدولتهم الناشئة.
 
مشكلات بدون حلول
ماذا يتوقع أن يواجهه الأكراد من هذا الهجوم؟ إذا كان الماضي يمثل مقدمة، حينها ستكون عفرين هي الرد، فقد كان هذا الجيب المسيطر عليه كرديا والقريب من مدينة حلب يدار من قبل القوات التركية وحلفائها المتمردين السوريين سنة 2018؛ حيث قتل مئات المدنيين جراء القصف العشوائي، ونزح مئات الآلاف من سكانها الأكراد. 
ولم تتحسن الأحوال بالنسبة للأكراد حينما هدأ القتال، فقد اتهمت مجاميع حقوق الانسان تركيا بإجراء تغيير في التركيبة السكانية للمنطقة عندما أعادت توطين اللاجئين السوريين، الذين ينتمون بغالبيتهم من المسلمين السنة، واسكانهم في مساكن الأكراد الفارين من أعمال العنف.
وتنظر الفصائل الإسلاموية المتمردة المسيطرة على المنطقة للأكراد بوصفهم ملحدين وانفصاليين، واستخدمت تلك الفصائل القوة لإساءة التعامل مع السكان. وأورد الناشطون المحليون عشرات الحوادث المتعلقة باعتقالات غير قانونية وحالات تعذيب واختفاء للأفراد، بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.
وبعد ساعات من بدء القوات الأميركية بالانسحاب من مواقعها داخل سوريا، أصدر قسد بيانا يتهم فيه الأميركان بعدم الإيفاء بمسؤولياتهم تجاه 
حلفائهم.
وأضاف البيان أن "هجوم تركيا غير المبرر على أراضينا سيكون له تأثير سلبي على قتالنا ضد "داعش" وعلى الاستقرار والسلام الذي أوجدناه في المنطقة خلال السنين الأخيرة. ولكوننا قوات تحمي أراضيها، نحن مصممون على الدفاع عن أرضنا مهما بلغت التضحيات."
وصرّح كينو جبرائيل، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، خلال لقائه بأحدى القنوات الفضائية العربية، أن قرار ترامب بالانسحاب قد مثل صدمة للأكراد، واصفا إياه بأنه "طعنة في 
الظَّهر".