حسين الذكر
رحم الله أيام زمان كانت الدراما العراقية فاعلة مؤثرة تحرص على تسليط الضوء على كلّ ما يحفظ القيم المجتمعيّة الاصيلة وتطويرها بما يخدم المجتمع.. كذلك فضح الممارسات الخاطئة فردية ومؤسساتية لغرض معالجتها ومحاربتها ان تطلب ذلك .. بشكل اعطى قيمة معنوية أخلاقية تبلغ القداسة للأسرة والجار والأهل والصاحب وقبل كلِّ ذلك للوطن والمواطنة الصالحة والاحساس فيها يعد رمز للولاء العام بمعزل عن الجنسيّة والهوية المذهبيّة او القوميّة .. على عكس اغلب ما يعرض في وسائل الاعلام حاليا من تهريج وتسفيف للعقول وتمييع وتسخيف للرأي العام .. وإلهاء الناس بتوافه لا قيمة لها من قبيل (الهرج والمرج والردح والضحك بلا سبب) .. وقد كان تلفزيون بغداد في السبعينيات يعرض مسلسلا رمضانيا مشهورا تحت عنوان (أبو البلاوي) بطولة المرحوم أبو فراس .. وفي تايتل المقدمة يعرض مشهد تقول فيه الفنانة الراحلة سعاد عبد الله الى فنانة اخرى: (اسكتي مهمودة الشيب .. عندك السان وتحكين) .. والهمد في العربية (همَدتِ النَّارُ: ضعُفت، خمدت، انطفأت وذهبت حرارتها، وهمَدتِ الأصواتُ.. سكَنت). قبل أيام وجهت لي دعوة كريمة من قبل وزارة الشباب والرياضة مع عدد من الصحفيين لحضور مباراة العراق وهونك كونك في البصرة الفيحاء .. تلك المدينة العريقة التي مُصِّرَتْ قبل 1400 عام إسلاميا، فيما كانت ميناء حيا زاخرا معطاء قبل ذلك بالاف السنين .. امتازت بخيراتها التي حباها الله من مياه وموقع جغرافي استراتيجي معزز بموارد طبيعية عديدة.. فضلا عن أهلها الطيبين المعطاء.. وهي تحمل من النفط ومشتقاته مليارات الاطنان التي جعلتها بقرة حلوباً.. تنهب منها الحكومات المتعاقبة ويستفيد منها الغرب بكل ما أوتي من امكانات على حساب شعب منهوك. وقد تنقلنا ببعض شوارعها ومعالمها التي أصابها البؤس والتصحّر لا معالم حقيقية للعمران المجتمعي ولا تحضر بيئياً، كأنّها من أفقر دول العالم، لم نر شيئا يدل على التطور او ما يقارن ببقية المدن الطالة على الخليج العربي وكلها لا تفوق البصرة خيرا وتاريخا.. فقد بدت بصرتنا كبقية مدن ومحافظات العراق منهوبة خربة تنتشر بها بيوت الفقراء على جانبي الطريق كأنّهم يعيشون في العصور المظلمة .. تنهب خيراتهم تحت عناوين وشعارات شتى .. ويأكل من اكتافهم الاف المستشارين من مشارق الدنيا ومغاربها ملايين الدولارات فيما ابن البصرة لم يجد عقدا بخمسمئة دولار يعيل به اهله ويدفع ايجار بيته ..
استغرب من البعض الذي تولوا المناصب خلال خمس عشرة سنة الماضية وتحكّموا بالبلد ومؤسساته طول مدد معينة واستفادوا وتكرشوا وتبطنوا وسافروا وتملكوا العقار داخليا وخارجيا وأصبحت لديهم شقق وعمارات ومولات ومحطات بانزين وأنواع مصادر الامتياز والحلب المستمر لخزينة الدولة .. وبعد ان اخرجوا من وظائفهم بعار مجلجل بعد ثبات فسادهم وهدمهم المؤسسات والعبث بالوطن والمواطن .. هؤلاء الذين لا يستحون من الله ومن انفسهم والشعب .. ما زالوا يصرحون ويكتبون ويتفيهقون عن النزاهة والشرف والوطن والمواطنة الصالحة والخير والشر ومحاربة الفساد .. ونسوا انفسهم اذ كانوا يفسدون .. وقد حق بهم القول : (اسكت مهمود .. عندك السان وتحكي).