قانون مناهضة العنف الأسري بين الرفض والقبول

اسرة ومجتمع 2019/10/22
...

 
بغداد / شذى الجنابي
 
يدور سجال منذ سنوات بين جهات سياسية دينية ومنظمات مدنية ومفوضية حقوق الانسان حول قانون مناهضة العنف الأسري، البعض منهم يقف موقف المعارض لنصوص القانون، في المقابل كانت للمؤيدين مواقف بالمحافظة على كرامة المرأة وإنسانيتها واولادها، وتطبيق القانون ضد الزوج المعنف. ومنذ عام 2017 ينتظر إقراره في مجلس النواب لأنّ المجتمع بحاجة الى تشريع وتفعيل قوانين تجرّم العنف وتحمي الضحايا وتمنع التنمّر عليهم والتنكيل بهم.
 
معارضة البرلمانيات
قالت رئيسة مؤسسة صندوق دعم المرأة في الشرق الأوسط كولشان كمال علي: أغلب القوانين على منصّة البرلمان لم ينظر اليها بمنظار جدي، علما بأنّ مقاعد المرأة في البرلمان نسبتها 25% ولم تطالب اي عضوة بتشريعه او تفعيله، وقد اعترضت بعض العضوات عليه كونه يجرّم الضرب غير المبرّح، ويناقض مبدأ قوامة الرجل على المرأة.
 
بينما اشارت الناشطة أفراح كريم/المدافعة عن حقوق الإنسان: الى ان العنف الأسري الحاصل بسبب الظواهر الاجتماعية والتقاليد يجعل من الضحية مدانة حال الإفصاح عن مظلوميتها، ولا تستطيع الوصول الى الجهات القانونية في بلد يعاني من انتشار التقاليد التي تجرّم المرأة في تلك الحالة، وقد اصبحت ضحية تفقد حماية الدولة. 
 
وشاركتها الرأي الناشطة ألاء فليجة: يعاني مجتمعنا من مشكلة العنف الأسري التي توشك بالتحول الى ظاهرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، والحروب والتخلّف وجهل المجتمع، مضيفة لقد تمَّ تقديم مسودة القانون الى مجلس النواب منذ عام 2017 بعد أن عملت الحركات النسويّة والمنظمات والمرجعيات عليه منذ سنوات لكنّه ما زال مغيّبا في أدراج مجلس النواب، وناشدت المنظمات المدنيّة وكلّ المعنيين بشؤون الأسرة من خلال وسائل الاعلام، والحكومة، ومجلس النواب بالمصادقة عليه.
 
من جهته شدد ماهر شعبان جاسم الرجب/ نائب الامين العام لمؤسسة السلام وحقوق الانسان: على مظلومية المرأة بعد العام 2003 نتيجة عقليّة المجتمع، فقد أصبح الرجل وفق القانون الحالي يتزوّج متى ما يشاء من دون موافقة الزوجة ويؤمن بفقرة تعدد الزوجات وهذا إجحاف وظلم بحقها، ويرى بأن أغلب الأرامل والمطلقات يتعرّضن للاهانة من خلال إجبارهن على الزواج من شخص آخر خوفا على سمعتها بحجة حمايتها وأسرتها من قساوة الحياة، انا شخصيا اعارض بعض بنود القانون كونه لا يتوافق مع حرية وكرامة المرأة.
 
مراكز البحوث
في الوقت ذاته أكدت د.وفاء علوية/ تدريسية في كلية اللغات- جامعة بغداد: العنف في أي مجتمع يهدد الأمن والسلم الاجتماعي، ويزعزع أركان الدولة، ويجعل من الانسان مخلوقا مقيدا ومكبلا، يفتقر للإبداع والتطور، ويميل إلى الانطواء، ولن تنجح أية حكومة في تحقيق الحلول الناجعة بالقضاء عليه أو الحد من تداعياته إلّا إذا استعانت بمؤسسات ومراكز البحوث العلمية واتخذت من توصياتها منهاجا ودليلا في عملها، بينما نجد العديد من حكومات العالم المتقدم تعتمد بشكل رئيسي على مراكز البحوث في صياغة قوانينها وتشريعاتها، كونها الجهات الأكثر قدرة على الرؤية الموضوعية المتحررة من القوالب الطائفية والدينية.
 
فيما يرى د.محمود الربيعي/ مدير ادارة المصرف العربي الاسلامي: أنّ القانون يشكل صدمة لأنّه غير دقيق في مضامينه وعدم وصوله الى المعالجات المطلوبة، وبحاجة الى تصحيح في فقراته من جانب الاذى الجسدي الذي تتعرض له الزوجة من قبل زوجها، واقترح اضافة (الخدمة الاجتماعية) عقوبة لولي الامر الذي يسيء لأسرته، فقد بلغت نسبة تعنيف الرجل للمرأة حسب تصنيف الجهات الامنية عام 2018 الى 32%، أما تعنيف المرأة للرجل فوصل الى نسبة 18%، وهناك تعنيف الابناء للاباء بلغت نسبته الى 9% ممن تعرضوا للضرب والشتم، معتبرا ان العنف الأسري من القضايا التي تستفز المجتمع وتقلق الأسر وتهدد كيان الأسرة.
 
تفكيك المجتمع
من مؤيدي القانون عضو لجنة الامن والدفاع النائب سعران الاعاجيبي اذ يقول: كوني رجل أمن وبتماس مع المجتمع، دائما اؤمن بمقوله (لا يرى الجانب المظلم من المجتمع الا رجل الشرطة)، اعتقد اكثر الناس لا يعلمون بما يجري من مشاكل وهموم في داخل الاسرة الواحدة، فاذا لم تتهيأ الارضية المناسبة لاقرار القانون فلا فائدة منه، مبيّنا عندما تمت مناقشته تحت قبة البرلمان اعترض العديد من المثقفين وسياسي الدين عليه بحجة انه يعمل على تفكيك المجتمع او الاسرة، بالوقت الحاضر نحن بحاجه الى جميع المؤسسات المعنية والى تكاتف اعضاء مجلس النواب والمرجعيات، والى دور وسائل الاعلام كونه المعنى الروحي لهذا القانون وتوعية المجتمع بمضامينه.
 
منظومة قانونيَّة
أما منسقة شبكة النساء العراقيات أمل كباشي فقد شددت على مظاهر التعنيف وطبيعتها واستخدام وسائله اتجاه الضحايا قائلة: نحن بحاجة الى تشريعه لانه يضمن قرارات على مستوى عالٍ من الدولة تساعد على تقنين وتوفير الحماية للأسرة، كما نص الدستور بأنّ (الاسرة نواة المجتمع وينبغي حمايتها)، والقانون لا يتعلق بالمرأة وحدها وانما جميع افراد الاسرة من الرجل والابناء وكبار السن، وما زالت هناك جرائم عصرية من نوع جديد لم تكن معروفة بسبب ضعف القانون، ومن ثمّ نحتاج الى منظومة قانونية شاملة للحد منها، مضيفة أنا شخصيا اؤيد اقراره لكن يبقى ضغط المنظمات المدنية ودورها في تكثيف الجهود من خلال الندوات والجلسات الحوارية مع جميع الجهات من مؤيدين ومعارضين للتثقيف بأهميته.
 
كثرة الشكاوى
من جانبها دعت عضو مفوضية حقوق الانسان د.فاتن الحلفي: الى اقراره بدلا من قانون العقوبات نتيجة كثرة الشكاوى التي نستقبلها كل يوم، واخذت تزداد وتنتشر بشكل مخيف من المعنفين، لذلك تم استحداث الشرطة المجتمعية لمساعدتنا في استقبال تلك الحالات والصلح بين الزوجين بدلا من وصولها الى المحاكم بسبب عدم وجود غطاء قانوني وتشريعي يحمي حقوق العائلة، موضحة لدينا (14) مكتبا تابعا للمفوضية موزعة بين جميع محافظات العراق عدا اقليم كردستان تستقبل شكاوى المعنفين.
وطالبت الحلفي عدم ترحيله الى مجلس النواب من أجل تعديل بعض فقراته باعتباري عضوة في فريق وضع القانون، بالرغم من اصرار بعض النائبات على اقراره بأقرب وقت بسبب الحاجة اليه.
 
إجراء تعديلات
بينما اكدت المدير التنفيذي لشبكة تموز للتنمية الاجتماعية فيان الشيخ علي: على اقراره لكن بعض الكتل السياسية ورئاسة الجمهورية اعترضت على بعض فقراته، بالرغم من اجراء التعديلات عليه منذ عام 2017 ليكون بشكل افضل، و ذا فائدة كبيرة للمجتمع من قبل مفوضية حقوق الانسان، ووزارة المرأة السابقة، والمنظمات المدنية التي عملت جاهدة في تقديم مشاريع قوانين الى رئاسة الجمهورية ومن ثمّ قامت بجمعها وتوحيدها وخروجها بهذا النص.
 
ضغوط اجتماعيَّة
وعن حماية المرأة بيّنت القانونية زبيدة البغدادي/ محكمة استئناف النجف الاتحادية: أنّ قانون العقوبات، المعمول به الآن، لا يكفي لحمايتها، لأن أغلب المدعى عليهم قد أُخلي سبيلهم بسند كفالة واكتفى بتسجيل هوية الشخص المدعى عليه وإقفال المحضر، أو لأن المرأة تسقط دعواها تحت ضغوط اجتماعية حفاظا على الأسرة.
مؤكدة بأنَّ الاصوات تعالت على تشريعه بالرفض في مجلس النواب، وطالبوا بحق سلب الحضانة من الام الى الاب، ولكنها لم تتفق مع الاعراف الدولية ومبادئ حقوق الانسان، فقد منحت المادة السابعة والخمسون من قانون الأحوال الشخصية حق حضانة الطفل وتربيته للأم حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك، ولم يهمل قانون الأحوال احتياج الحضانة إلى آثار مادية كالنفقة فضلا عن حق مشاهدة المحضون من قبل ذويه كالأب. وتراوحت أسباب رفض البرلمان له بالقول: إنّه مخالف للشريعة الإسلامية، أو انه يسلب الرجل ولايته وقيمومته المعطاة له.
 
ظاهرة عالميَّة
القاضي هادي عزيز: تعد الأسرة اللبنة الاساسية لبناء مجتمع قوي فاذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، والعنف الاسري لايقتصر على المرأة او الزوجة بل يتعداه الى جميع افراد الاسرة، وبغية الحد منه فقد وجد المشرّع ضرورة تشريع هذا القانون من اجل الحفاظ على كيان الاسرة بتوفير الحماية القانونية لها وللوقوف على موقف المشرّع ضمنه في القوانين العراقية النافذة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، والعنف الاسري ظاهرة عالمية خطيرة تهدد بنيان المجتمع برمته، لذلك يتطلب الاسراع في تشريعه من اجل تنظيم العلاقات بين الاسرة والمجتمع وتعزيز عوامل  التنمية.