سلام مكي
المتابع لقرارات مجلس القضاء الأعلى الأخيرة يعرف أن المجلس، استطاع أن يوصل رسالة الى الآخرين بأن عمله لا يقتصر داخل جدران المحاكم، والقاضي ليس هو الذي يطبق القوانين فقط.
فالقرارات التي أصدرها رئيس المجلس، مؤخرا استطاعت وبشكل كبير أن تحد من الكثير من الأفعال والظواهر الاجتماعية المخالفة للقانون والأعراف الاجتماعية السليمة. فقبل أن تنطلق الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، سعى المجلس إلى معالجة الظواهر الاجتماعية التي تتنافى مع حقوق الانسان، سواء الظواهر الدخيلة على المجتمع، أو الظواهر القديمة، التي لم يتجرأ أحد على المساس بها، بسبب سطوة ونفوذ العشائر، وهذا يأتي من رصد المجلس لكل الحالات التي توجد داخل المجتمع ومن ثم محاولة وضع الحلول لها من خلال القانون، ورغم افتقار المنظومة القانونية للنصوص التي تعالج بعض الظواهر الدخيلة على المجتمع والتي جاءت بسبب التطور التقني والاتصالات الحديثة التي غزت المجتمع، وسلوك البعض المتمثل بالاستخدام السيئ لها، كانتشار ظاهرة الابتزاز الالكتروني وغيرها، دون أن يضع المشرع نصوصا جديدة تعالج تلك الحالات، وهو قصور تشريعي واضح، لكن مجلس القضاء، كان له رأي مختلف، حيث لم يحتج بعدم وجود نص قانوني يعالج ظاهرة الابتزاز الالكتروني، بل استغل نصوص قانون العقوبات، رغم مرور عدة عقود على تشريعها، ليطبقها على المبتزين الذين يقعون في قبضة العدالة بشكل شبه يومي عن طريق القوات الامنية، وكذلك حالات النهوة العشائرية والدكة وغيرها الكثير من المظاهر التي أخذت تتلاشى بفضل توجيهات المجلس وتعليماته المستمرة بضرورة وضع حد للأعراف والممارسات الخاطئة والمضرة بالقيم المجتمعية، رغم افتقار القانون الى نصوص تجرم تلك الأفعال بشكل واضح، وهذا لا يعني أن المجلس، قفز على القاعدة القانونية( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) بل، هو ألزم القاضي، بأخذ روح القانون والكشف عن الغايات من تشريع القانون، والمجلس، بهذا يسعى إلى ملء الفراغ في التشريع، وليس تجريم أفعال لا عقوبة لها، ولو لم يجرم تلك الأفعال، لأدى الأمر الى ضرر كبير على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ولاتسعت ظاهرة الدكة العشائرية.
وبعد اتساع المد الاحتجاجي وانتهائه وتولي مجلس النواب اصدار حزمة من القرارات والقوانين التي تدعم مطالب المتظاهرين، كان مجلس القضاء الأعلى في طليعة السلطات التي قررت أن تقف إلى جانب البرلمان في المساهمة وفق مجال اختصاصه في تنفيذ مطالب المتظاهرين، ومن تلك المساهمات هو تفعيل قانون الادعاء العام، بعد إلغاء مكاتب المفتشين العموميين وهي خطوة مهمة في سبيل تدعيم جهود مكافحة الفساد عبر وسائل جديدة تتولاها الجهة الأصيلة وهي الادعاء العام، وكذلك توجيه المجلس جميع المحاكم، بضرورة محاسبة المعتدين على المتظاهرين خلال الاحتجاجات وحسم قضايا الموقوفين من المتظاهرين، إن توجيهات القضاء وقراراته الأخيرة، تعطي رسالة واضحة بأن هذه المؤسسة، قريبة من الشارع، وأن وجودها قائم لحماية أمن المجتمع وقيمه، بعيدا عن التقيد بالنص القانوني وأحكامه، فتشريع النص يحتاج إلى وقت وجهد، والقاضي لا ينتظر حين تعرض عليه قضية تستدعي منه إصدار قرار لإحقاق الحق.