الطريق نحو الإصلاحات

آراء 2019/10/23
...

صادق كاظم 
 
يمر الوضع العراقي بحالة استثنائية من حيث ارتفاع منسوب المطالب الجماهيرية بضرورة اصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد الذي يعاني من صعوبات كثيرة، ابرزها ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي كنتيجة طبيعية لغياب حركة الاستثمار ونمو القطاع الخاص الذي يعاني من غياب دوره وانعدام فرصه نتيجة لسياسات الاستيراد المفتوحة التي تبنتها الدولة منذ عام 2003 والتي اضرت بهذا القطاع كثيراً واخرجته من المنافسة 
ما ادى الى اغلاق آلاف الورش والمصانع الصغيرة والمتوسطة وتحول اصحاب رؤوس الاموال في البلاد نتيجة لذلك الى مستوردين بدلاً من يكونوا اصحاباً لمصانع متقدمة ومتطورة ترفد البلاد واسواقها بالبضائع الوطنية وتستوعب عشرات الآلاف من الايدي العاملة . يعد الفساد واحدا ًمن اكثر المعضلات التي تواجه اية اصلاحات مقبلة للبلاد والعراق يحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول التي تعاني من مشاكل الفساد الاداري والمالي وهذا الفساد المتوغل في عمق جسد الدولة العراقية يسهم في ابتلاع وضياع وارداتها المالية ويؤدي الى فشل المشاريع الاستثمارية المنتجة التي كان من الممكن ان تستوعب نسبة كبيرة من الايدي العاملة التي تعاني البلاد بسببها من مشاكل امنية واجتماعية 
كثيرة . 
هذا الفساد يتسبب سنوياً باهدار مبالغ ضخمة من الموازنة العامة ويخلق مشاكل كبيرة للبلاد والسكوت او التغاضي عنه سيعني تعريض البلاد وامنها الى الخطر الشديد، خصوصاً ان الفساد تسبب بفقدان اكثر من 500 مليار دولار خلال السنوات الماضية تورط باختلاسها اكثر من 10 وزراء و25 وكيل وزارة ،اضافة الى اكثر من 120 مديراً عاماً، وعدد آخر يصل الى اكثر من 10 آلاف موظف عمومي وهؤلاء جميعهم تحتفظ مؤسسات الدولة المعنية بمكافحة الفساد بملفات تدينهم باختلاس اموال ضخمة ، لو تمكنت الدولة من استرداد نصف هذه الاموال المسروقة فانها تكون كافية لبناء اكثر من 50 مجمعاً سكنياً ضخماً يكفي لايواء اكثر من 200 الف مواطن على اقل تقدير .
مشكلة الاصلاحات التي تحاول الحكومة تبنيها من اجل معالجة وضع البلاد المتأزم تكمن في جهاز الادارة الحكومي الذي لا يستطيع اخراج هذه الاصلاحات الى حيز التنفيذ الصحيح فهذا الجهاز معروف بضوابطه الروتينية المتشددة وتعطيل القرارات والمماطلة في تنفيذها وهناك نافذون في هذه الاجهزة يستغلون مواقعهم الادارية التنفيذية لتعطيل هذه الاصلاحات وتجييرها في النهاية لصالحهم وكما حصل في المرات 
السابقة .
القاء اللوم وتحميل الحكومة الحالية التي انفجرت بوجهها تراكمات الاخطاء السابقة والتي تعود اسبابها الى ممارسات الحكومات السابقة واخطائها التي اهدرت في عهودها نسبة كبيرة من اموال الموازنات وتفاقمت البطالة الى حد كبير ليس منصفاً او صحيحاً ،خصوصاً انه لم يمض سوى عام واحد فقط على تشكيل الحكومة وهي مدة زمنية لا تكفي في عرف الادارة والحكم لتحقيق اية برامج حكومية والحكم على نتائجها ،لكن يؤخذ على الحكومة ايضا بانها لم تقم خلال فترة العام الذي مضى من عمرها بمبادرات واصلاحات لترميم الوضع السابق من خلال اصدار حزمة من القرارات والمبادرات الخاصة بحل ازمة السكن ومعالجة البطالة وترميم القطاع الاقتصادي العراقي بجميع فروعه وعناوينه المختلفة ، فضلاً عن جذب الاستثمارات المحلية والاجنبية والاطاحة برؤوس الفساد وهي ملفات ظلت تبادر الى التعامل معها ببطء شديد ما جعل الاوضاع تسير الى النهايات التي قادت الى الاحتجاجات العنيفة الاخيرة .
هناك مخاوف وقلق مشروع من استمرار التظاهرات وتحولها الى اعمال عنف تهدد استقرار البلاد وامنها ،لكنه بالمقابل توجد رهانات على دور المرجعيّة الدينية  ككابح لاية تصرفات غير منضبطة من قبل جموع المحتجين وحصر الاحتجاجات والمطالب ضمن اطار سلمي يحترم الامن والنظام والقانون وفي نفس الوقت دعم حكومة السيد عادل عبد المهدي  من خلال تنفيذ برنامج اصلاح شامل وموسع في المؤسسة الحكومية بمختلف عناوينها وتنفيذ حزم القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء وعدم تعطيلها من اجل قطع الطريق على محاولات الانتهازيين الذين يرفعون شعار اقالة الحكومة سعياً وراء مكاسب سياسية ،حيث ان اقالة الحكومة واستبدالها بحكومة اخرى لن يحل الازمة خصوصاً اذا كانت ادوات الاصلاح والتغيير مفقودة وغير متوفرة 
اصلاً .
العراق يواجه تحديات امنية وسياسية تعد حالياً الاخطر في تاريخه ومواجهتها تتطلب تعاوناً بين الكتل السياسية جميعاً من اجل الخروج ببرنامج موحد لدعم الحكومة واتاحة الفرصة امامها لكي تتمكن من معالجة الوضع واصلاحه بعيداً عن الخطابات والشعارات السياسية التي ترمي كرة الاتهام والتقصير في ملعب الحكومة وفق روزنامات تحدد وفقها الاولويات على ان تسير بشكل موازٍ مع ضرورة قيام الحكومة باقصاء واستبعاد المسؤولين المقصرين في مجال القطاع الخدمي مع امكانية اعادة دور الشركات الاجنبية الرصينة التي سبق وان تم التعاقد معها لتنفيذ المشاريع الخدمية الستراتيجية المهمة كمحطات توليد الطاقة الكهربائية ،اضافة الى الشركات الهندسية الخاصة ببناء الطرق والجسور وكذلك  المختصة ببناء المجمعات السكنية الضخمة والعراق سوق واعدة وجاذبة للاستثمار لمختلف الشركات والجهات في 
العالم .