في النقاشات العامَّة بين الناس في الشأن السياسي الذي يمثلُ طبقاً رئيساً يوضع على الطاولات منذ سنوات طويلة ولا يمل الناس من تناوله وبشكل متكرر وكأنَّ بدونه لا يحلو النقاش، هنا نسأل لماذا نهتم بالسياسة؟ وقبل هذا علينا أنْ نعرف أنَّ الشعب العراقي من الشعوب النادرة التي تهتم بنشرات الأخبار منذ أيام (الراديو) وصولاً للفضائيات.
الجواب إنَّ أوضاع العراق السياسيَّة أثرت كثيراً في حياة الناس وإنَّ البلد كان يخرج من حرب ليدخل أخرى وصولاً لمرحلة ما بعد 2003 والتي كنا نتمنى فيها أنْ تغادر بلدنا نشرات الأخبار المزعجة، ولكن ليس كل ما يتمناه العراقي يجده. والجانب الثاني المواطن العراقي يخضعُ لضغطٍ سواء بإرادته أو بدونها ولكمٍ هائلٍ من الأخبار من الفضائيات التي تستضيف كل مساء عدداً من (المحللين) أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يعدها الكثير مصدراً مهماً للخبر، هذا الكم الهائل من الأخبار والتحليلات والسيناريوهات جعلت الكثير من العراقيين بلا رأي– إنْ صح التعبير- يرددون ما يسمعونه في المساء صباحاً في المقاهي ودوائر عملهم، ثم يعودون في اليوم التالي لترديد آراءٍ جديدة سمعوها في المساء، وجميع مواقفهم تبنى على دليلٍ واحدٍ هو أنَّ (فلاناً) كلامه صحيح وحلو، من دون النظر للأعمال، وبالنتيجة نجد أنَّ نسبة عالية من رأي هؤلاء مبنيٌّ على وجهات نظر ممولي القنوات الفضائيَّة أو ممولي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
نعود للنقاشات التي تدور في المقاهي ودوائر الدولة، أغلبية الناس لا تعرف مواد الدستور وعندما تتحدث تجدها تتحدث بحماسٍ كبيرٍ جداً والبعض ينتظر البيان رقم (1) وهذا الرأي موجودٌ بقوة لدى جيل سابق سمع في مسيرة حياته البيان رقم (1) أكثر من مرَّة وصفق بحماس أيضاً أكثر من مرَّة.
الجيل الآخر، نوعاً ما أهدأ لا يريد صدور هذا البيان ولا يريد عودة الحزب الواحد والشخص الواحد ليحكم البلد بقبضة حديديَّة كما كان في العقود الماضية لأنه يشعر أنَّ هناك آليات تغيير موجودة في العراق بإمكاننا أنْ نستخدمها بشكلها الصحيح، وهذه الآلية هي الانتخابات وهؤلاء الذين يحكمون العراق وصلوا بأصواتنا جميعاً وعلينا أنْ نعترفَ بهذا ولا نحاول أنْ ننساه، ربما حالة اليأس من التغيير تدفع البعض نحو مقاطعة الانتخابات، والمقاطعة بحد ذاتها تكرس هيمنة الموجودين الآن وتمنحهم فرصة البقاء أطول فترة ممكنة.
نحن ما زلنا في خطواتنا الأولى في الديمقراطية ربما البعض منا تعلم الدرس وغيَّر بوصلته الانتخابيَّة وصحح مساراته، والبعض الآخر يفكر بتغييرها في الانتخابات القادمة، ومن كان مقاطعاً لها، عليه ألا يقاطعها وينتخب بقوة ولا يكرر أخطاء الماضي.
لهذا نجد أنَّ ما نحتاجه في المرحلة الحالية وكنا نحتاجه في السنوات الماضية أيضا أنْ يكون لدينا إعلامٌ يبني مواطناً واعياً مدركاً قادراً على العطاء، وأقصد هنا إعلام القطاع الخاص من صحف وفضائيات تصنعُ رأياً عاماً عراقياً إيجابياً قادراً على التغيير وفق الآليات الدستوريَّة وليس الفوضويَّة التي يطمح لها البعض..