لعبة البناء في نصوص { على قيد الحب } لحبيب السامر

ثقافة 2019/10/26
...

علي لفتة سعيد
 
شاء الشاعر حبيب السامر أن يبدأ لعبته الشعرية في بناء مجموعته ( على قيد الحب ) من  البداية حين وضع كلمة ( قصيدة ) تحت العنوان، في حين يشير الفهرست الى وجود 15 نصا شعريا وكل نصّ يحمل عنوانا خاصا به ليدخل بعدها في ثنائية البناء الشعري والتلميح القصدي للوصول الى هدف اصطياد كمية كبيرة من الشعرية في هذا المجموعة ( القصيدة ) المتفرعة أو التي تشبه شجرة اللبلاب أو التي تتناسل من رحمٍ واحدٍ حيث ينتهي نصّ يبدأ نصّ وكلّ نصّ يرتبط بالنصّ الآخر عبر لعبةٍ شكليةٍ أرادها أن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأرقام حين تركها بما يشبه الأغصان التي تتّصل بجذع الشجرة الشعرية وما على المتلقّي إلّا تحديد نوع الشجرة عبر استكناه الغاية والمعنى والتأويل والهدف
 والتصوير.
فلعبة الأرقام هي المحرّك الذي يشغل خاصية الترابط بين النصوص التي تبدأ مع النصّ الأول ( لا أجيد ترتيق الحكايات ) وتنتهي بنصّ (غالبا ما ) والذي يحمل أربعة ارقام تنتهي 222 وهو ما يمكن ربطها بما جاء تحت العنوان من تجنيسٍ للمجموعة على انها قصيدة واحدة وليست مجموعة نصوصٍ، وهذه المجموعة لها أبوابٌ عديدةٌ ومداخل متعدّدة وأرواحٌ مختلفة وأثوابٌ ملوّنة لكنها تمتلك جسدًا واحدًا هو الشعر الذي يمكن اصطياد أولى علاماته من بنية العنونة الذي يريد معاندة كلّ ما سلبي في الحياة من خلال البقاء على قيد الحب، وإن تنوّعت عناوين النصوص ما بين الحب والتيه والخريف والعذابات، لكنه أرادها أن تصبّ جميعها في أواني الحب سواء أكانت متفرقة أو مستطرقة.. فالحب ومعاكساته يعني أن الحياة
 مستمرة.
إن بنية الكتابة تعتمد على لعبة المقاطع من خلال إجادة الضربة الشعرية بدلًا من الجسد الشعري الذي يعتمد على القصيدة الطويلة.. ولذا فإن الشعر في رسم لوحته الخارجية بيّنت إن الضربة التي تقترب من الومضة المتّصلة مع بعضها تعطي في النهاية جسد القصيدة التي تمتلك طولًا يمتدّ على 95 صفحة من القطع الصغير، فيما لو أراد المتلقّي أن يرفع لعبة الأرقام ويمنح رسم الضربة خاصية الإطالة ما دام الشاعر أراد أن ينوّع لوحته الشعرية بألوان متعدّدة من المعاني.. لذا فإن أغلب نصوصه تعتمد على  بثّ خاصيّتين، الأولى: بثّ السؤال الفلسفي الذي لا يكون بصيغةٍ مباشرة، بل بعمليات التوزيع المختلفة للسؤال عبر لا الناهية أو النافية أو اسماء الإشارة المرتبطة بتوضيح الدال والمدلول أو حتى في حروف الجرّ التي تدخل في صلب الخاصية الثانية وهي: البحث عن الهوية الشعرية أو التجنيسية لهذه المجموعة والتي ترتبط جميعها في توضيح ماهية العنوان الذي لم يكن نصًّا من النصوص أو لنقل غصنًا من الأغصان، بل كان يمثلّ الكفّ التي تمسك بالتأويلات العديدة لتوزّعها على شكل شجرة.. ولهذا فإن الخاصيتين تتوزّعان على النصوص جميعها فإن بدأ بحرف جرٍّ لابد أن تكون ( لا ) متوافرة وكذلك أسماء الإشارة التي تبدأ بـ ( هي ، هو – هذا – انك ....) مع وجود الجملة الفعلية التي تحاول أن تقف على قدميها لولوج المنطقة الإخبارية كمستوىً ناطقٍ يسحب معه المستويات الأخرى، لكي يرتبط بالمستوى الفلسفي الموضوع في حنجرة السؤال. 
إن بعض الأقسام أو الضربة الشعرية لا تعتمد على ثلاث جملٍ عمودية بل في بعض الأحيان تمتد الى نصٍّ طويلٍ يصل الى أكثر من 13 جملة عمودية لأنه أيّ المقطع المرقّم لم يصل كما في المقاطع الأخرى الى رسم ملامحه، كما في مقطع (ما لا تدركه الآن ) و ( علي أن أعد أصدقائي ) وغيرهما وهو ما يعني إن البنائية التدوينية لا تعتمد على صيغةٍ مسبّقةٍ لتكون المقاطع عبارة عن ضربةٍ شعريةٍ من ثلاث جملٍ عموديةٍ، بل هو يرسم لوحته مثلما تشتهي الفكرة أن تكون في عملية توزيعها على جسد النص – المقطع المتّصل والذي يمكن التقاط ملامح الاتصال بكلمات مثل (الشجرة –الخيبة- الضوء – الاجادة – الظل- الاحلام..... ) ولهذا نرى إن عملية التكرار في المقطع الواحد أيضا لا تأتي إلّا لحالةٍ توكيدية لما يريد البوح به من علاقة تزامنية مع الحب ومعاكساته (142 -لا أبرر للموت يجي/ أقف ذاهلا للفقد/ وهو يتكرر.. 143- لا أبرر/ للغناء يندفع خارج الحنجرة/ عجبي للأوتار/ تعزف الانغام/ على نسق واحد.. 144- لا أبرر/ للشمعة كل هذا الضوء/ أقدر حماسة الظلمة للتحرر.. 145- لا أبرر/ للوردة كل 
هذا العطر )
من جهةٍ أخرى يمكن ملاحظة البنية الكتابية إنها تعتمد على متعاكسات الجملة الشعرية التي لا تعطي نسقها بصورةٍ مباشرةٍ لأنه لا يرسم لوحةً طبيعيةً أو بورتريتًا شعريًا بل أنه يسعى لصناعة دهشةٍ في جملته الشعرية الواحدة / الضربة / الومضة/ الجسد التي يقودها عبرة جمله التي قد تبدو متناقضةً أو غير متوّقّعةٍ في بعض الأحيان، أو إنها تأويلٌ قصديٌّ في أحيانٍ أخرى.. وهو بهذا يسعى لصناعة معادلة شعرية مفادها( سؤال أو إخبار- جملة موازية للبحث عن السؤال ذاته أو استمرارية الإخبار- الإجابة المعلّقة في المستوى القصدي – لإظهار المستوى الفلسفي على إنه غاية ( 182- لم يكن الضوء خلاصة السواد/ كي ينمو عللا اليقظة/ كل هذا الهذيان.. 183- لم يكن الخطأ كسولا كما تظنين/ ليخدش ينبوع الرقة..
إن مجموعة ( على قيد الحب ) مناقشة إخبارية تحمل روح الفلسفة من أجل انتاج منطقة إدهاشية في صناعة الجملة الشعرية سواء كانت تلك التي وضعت على شكل ضربةٍ أو جسدٍ محمولٍ على جملٍ طويلةٍ نسبيا، لكنها تملك غاية البحث عن الشاعرية في اللعبة الشكلية المقصودة من قبل الشاعر.