ثقافة التظاهر السلمي

آراء 2019/10/27
...

محمد صادق جراد 
 

إنّ حقَّ التظاهر مكفول للجميع في العراق الجديد وفق الدستور العراقي على ان لايتم الإضرار بالممتلكات العامة وضرورة الالتزام بالنظام العام والآداب، إذ نصت المادة (38) من الدستور العراقي 2005 على ما يأتي: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون. 
هذه المادة الدستورية تبيح للمواطن العراقي الذي يشعر بالغبن والظلم ويعاني من غياب الخدمات في الكثير من مجالات الحياة ان يرفع صوته للحكومة مطالبا بالتغيير او الاصلاح لتحسين اوضاعه المعيشية عبر تغيير آليات ادارة الدولة.
الا ان ما يحصل اليوم من احداث مؤسفة في التظاهرت بيّنت ان هناك العديد من الثغرات وقع فيها المتظاهرون بسبب غياب ثقافة التظاهر السلمي إذ قام بعضهم بحرق المباني الحكومية ومواجهة رجال الأمن بالعنف وهذه خطوة غير سليمة تعد من الإضرار بالنظام العام ومصالح الدولة العليا. ومن ناحية أخرى يجب ان نعترف بأنّ اعداء العراق يترصدون بنا ويستثمرون هذه الفرصة لتنفيذ اجنداتهم وجر البلاد نحو الفوضى والعنف الداخلي، وللأسف نجحت تلك الأجندات في التأثير على بعض المتظاهرين بسبب غياب ثقافة التظاهر السلمي وغياب التنظيم وعدم وجود اللجان التي تمثل المتظاهرين وعدم وجود متحدث رسمي باسمهم.. ومن الضروري بمكان ان نقول في هذا المقام ان ثقافة التظاهر السلمي لم تسجل غيابها عن القواعد الشعبية فقط، بل غابت عن النخب السياسية التي فشلت في استيعاب الغضب الجماهيري من خلال اصدار قرارات كافية ومقنعة بل وجدنا بعض الساسة العراقيين ممن يشتركون في الحكومة العراقية وبدلا من اتخاذهم لخطوات اصلاحية ترضي الشعب قاموا بالمشاركة والتواجد في تلك التظاهرات واطلاق الوعود لتحقيق أهداف شخصية ومحاولة تسييس التظاهرات واستثمارها.
ما نريد أن نقوله هنا بأنّنا مازلنا بحاجة الى توعية الجماهير بثقافة التظاهر التي يجب أن تعكس المستوى الحضاري للشعوب وحرصها على مصالح البلد وسلامة وحدته وسيادته، فضلا عن ضرورة توعية القوات الامنية بمفاهيم حقوق الانسان وتقع المسؤولية هنا على الإعلام والنخب الثقافية والسياسية والوطنية لتكريس مفاهيم الديمقراطية بعد ان يبدؤوا بأنفسهم وينطلقوا لإصلاح المجتمع بعد ذلك لنحافظ على عراق موحد ديمقراطي حر تحترم فيه الآراء والمطالب المشروعة. 
ولا بدَّ من الاشارة هنا الى ان الكثير من  الممارسات الديمقراطية قد غابت عن ذهنية المواطن العراقي في العقود التي رافقت الحكم الدكتاتوري السابق؛ ومنها ثقافة التظاهر إذ لم يمارس المواطن العراقي حقه في التظاهر السلمي ليعبر عن مطالبه ورغباته بسبب سياسة القمع المفرط التي استخدمها النظام البعثي آنذاك. وبعد زوال الأنظمة الدكتاتورية أصبحت هناك مساحة من الحرية تبيح للمواطن العراقي الخروج في تظاهرات شعبية واسعة ليعبر عن مطالبه بطريقة سلمية تعكس صورة جميلة عن شعب متحضّر لايتأثر بالتحريض والتأجيج الخارجي ولاتنطلي عليه ألاعيب السياسة الداخلية..