ترجمة / انيس الصفار
تبدو ديناميكيات الشرق الأوسط بعيدة كل البعد عن خريف مفعم بالحيوية في ولاية نبراسكا، لأن من الصعب على المرء أن يشعر بالتحفز والنشاط والتجاوب مع صراعات هذه المنطقة التي لا تنتهي بينما هو غارق في خضم موسم الحصاد ومستويات المياه تشعره بالقلق.
لابد من أن ينال منا التعب في نهاية المطاف، ويستحوذ علينا شعور بأننا لا يمكننا أن نبقى نخوض غمار حروب تخص شعوبا أخرى، متحملين كل تلك الكلفة الضخمة من الدماء والأموال، بينما تواجهنا في بلدنا تحديات عديدة.
لذا ينبغي علينا أن نضع خطواتنا باحتراز شديد وحذر ونحن نغادر هذه البيئة كي ندرأ الاهوال والرعب التي يمكن ان تسببها هذه المرة “داعش 2”، أو العدوانية التركية، أو زعزعة الاستقرار التي تهدد الاقليات الدينية بأخطار شتى.
تبرز سوريا كحالة معقدة على نحو خاص في منطقة ابتليت بصراعات قبلية وعرقية ودينية قديمة يمتد عمرها قروناً.
لقد بقينا محافظين على وطأتنا العسكرية الخفيفة في سوريا منذ الاجتياح الصاعق الذي حققته “داعش” في سوريا وجارها العراق.
ومن موضع خلافتها بات باستطاعة “داعش” أن تخطط وتلهم وتنفذ الهجمات على الابرياء في شتى انحاء العالم.
كان الحضور الأميركي على امتداد الحدود التركية السورية بمثابة عازل واق ضد “داعش” ورادع بوجه تركيا لثنيها عن اسوأ نواياها (وهي مهاجمة الكرد في المناطق المجاورة، وهي اقلية تلقت تدريبها وتجهيزها على يد القوات الخاصة الأميركية لكي تقوم بمقاتلة “داعش” في
سوريا.
ادى الكرد واجبهم في الخدمة المسلحة بشجاعة كحليف معتمد لنا في جهود مكافحة الارهاب، ولكنهم الى جانب هذا كانوا عوناً لنا في احتجاز ما يقارب 12 ألف مقاتل من عناصر التنظيم بالاضافة الى 58 ألف فرد من أسر هؤلاء المقاتلين الذين يقيمون في سجون ومخيمات.
بيد أن الحقيقة القاسية تتمثل في الاتي: لقد تحالفنا مع الكرد بهدف دحر تنظيم “داعش” وليس لدحر تركيا، تلك الحليفة المتذبذبة في حلف الناتو التي يخوض معها الشعب الكردي حرباً متواصلة منذ قرون.
لذلك فإن تداعي عمليات الكرد في شمال شرقي سوريا سوف يخلق الامكانية المحتملة لتجدد نشاط “داعش” ويشخص كنقطة ضعف امام الاتهامات القائلة ان الولايات المتحدة لا تلتزم بعهودها.
هذا العنف كله ووجع القلب قد تكون تأثيراتهما على البعض منا أشد وأقسى، فمدينة لنكولن مثلاً قد تحولت الى أكبر تجمع للايزيديين في أميركا.
خلال حرب العراق عمل كثير من أيزيديي لنكولن الحاليين، الذين يتجاوز تعدادهم 3000 شخص، بصفة مترجمين للعناصر العسكرية الأميركية، وهم طائفة تميّزت بقوّة الوشائج العائلية والالتحام العميق بالمجتمع، طائفة يصلها رباط وثيق بثقافتها وتقاليدها الدينية الغنية.
التعقيدات في سوريا لها انعكاسات وآثار بمستويات متعددة على العلاقات الأميركية التركية كما انها تطيل عمر الواقع المرير الذي تعيشه الاقليات الدينية المحاصرة التي لا تزال تترنح من وقع اعمال الابادة الجماعية التي ارتكبتها “داعش” في مناطقها.
بعد المراجعة التي قمت بها لشمال العراق في الصيف الماضي بطلب من نائب الرئيس السيد بنس عكفت على صياغة ما يدعى “القرار الأمني لشمال العراق” بهدف خلق الظروف المناسبة لأكثر من 400 ألف أيزيدي لا يزالون يقيمون في مخيمات اللاجئين كي يعودوا الى ارض اجدادهم في نينوى وسنجار العراق.
المجتمع المسيحي، الصغير والصامد، يقف متأهباً للعودة هو الاخر.
هذه المحاولة هي الأولى التي يطرحها المشرعون على حد علمي في تناول مسألة الأمن الأساسي بعقلية مختلفة مع تحميل الجنود الأميركيين ادنى حجم من الخطر والمجازفة من اجل ايجاد فرصة معقولة لتحقيق الاستقرار.
كم شعرت بالسرور حين تم ادراج هذه الستراتيجية ضمن قانون التفويض بالدفاع في مجلس النواب، إذ وقع عشرات من اعضاء الكونغرس، الجمهوريين والديمقراطيين، على ستراتيجية تضع في منظورها دمج المسيحيين والأيزيديين والاقليات الاسلامية ضمن قوات الأمن القائمة من الجيش العراقي والبيشمركة الكردية، وهو أمر ستسهله بعثة التدريب الدولية.
الهدف من هذا هو منح تلك المجتمعات العريقة فرصة حماية انفسها ضمن البنية العسكرية الوطنية النظامية.
لقد تمكن الجيش العراقي المدعوم من قبل أميركا والشركاء الآخرين من تحقيق انجاز مشهود، وإن يكن بكلفة باهظة، حين طهر ارضه من تنظيم “داعش”.
من هذا المنطلق سوف يصبح ممكناً، من خلال تطوير بنية عسكرية مساعدة، خلق الظروف الأمنية الضرورية لإعادة بناء المجتمع العراقي قبل أن تصيبه موجة ارتجاج جديدة محتملة.
في هذا الوقت، وبينما الانقسامات السياسية داخل الكونغرس على اشدها، تفهمت مجموعة مختلطة من النواب أن هذا الالتزام المتواضع بإعادة الأمن شيء ضروري لإعادة النسيج العرقي والديني المتنوع الغني الذي بقي قائماً في المنطقة عبر الزمن وكان على الدوام اساساً جوهرياً لسلام واستقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط.
* جيف فورتنبري – عضو جمهوري في الكونغرس الأميركي