قبل أكثر من عشر سنوات، كتبت مقالا بعنوان (طبيب اميركي يرفض تقسيم العراق).. خلاصة المقال، ان احدى المحاكم الاميركية، أدانت طبيبا اميركيا، في تسعينيات القرن الماضي، بسبب ماوصفته، خرق قانون الحظر الاتحادي المفروض على العراق .. (جريمة) الطبيب، كانت ارساله بعض المعدات الطبية من امواله الخاصة، كبادرة انسانية منه لاحد المستشفيات العراقية..
مؤكدا، ان هذا الطبيب ينتمي لاحدى الولايات الفيدرالية، لكن القوانين التي تتعلق بالامن القومي الاميركي، تشملها جميعا..
كنت أروم من خلال مقالي ذاك، الاشارة الى ماورد في الدستور العراقي من مواد، تجعل كل اقليم في حال اقامته، كما لو أنّه دولة مستقلة، مايعني ان تقسيم العراق سيصبح واقعا لامحالة.. وقد جاء المقال بعد تعالى الاصوات المطالبة بإقامة الاقاليم الفيدرالية، بذريعة ان الدستور اقرها، وترافق هذا مع نشاط اعلامي مكثف قامت به الجهات المروجة لهذا المشروع، قابله نشاط للرافضين، ممن ادركوا ان العراق اذا ما تبعثر تحت مسمّى الفيدرالية، لن يعود موحدا، وستصبح الكانتونات التي ستقام، فرائس لدول الجوار وغيرها، لما في بعضها من ثروات كبيرة، وستصبح سلطة بغداد على الاقاليم، اشبه بسلطة الجامعة العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي على حكومات الدول المنضوية فيها، هذا ان بقي شيء اسمه العراق ..
قبل ايام، تابعنا الاحكام التي اصدرتها احدى المحاكم الاسبانية على مجموعة من المسؤولين في اقليم كتالونيا، بعد قيادتهم محاولة الانفصال عن اسبانيا العام 2017 واجرائهم الاستفتاء في الاقليم، وتابعنا قبل ذلك، كيف ان الاجهزة الامنية قمعت المتظاهرين المؤيدين للانفصال، قبل ملاحقة قياداتهم واستجلابهم للمحاكمة بعد فرارهم خارج البلاد، واصدار احكام ثقيلة
بحقهم.
الشيء اللافت في الامر، ان الدول الاوروبية التي تحترم حقوق الانسان والخيارات الفردية والجمعية، وقفت ضد الانفصاليين، ودعمت حكومة مدريد، وهذا ما شغل المحللين، وغطى الكثير من صفحات الرأي في اوروبا والعالم، اذ لم يجدوا في الموقف الرسمي الاوروبي، تعسفا على الكتلونيين وقيادتهم الانفصالية، بل انتصارا لوحدة اسبانيا التي تتمتع بنظام ديمقراطي ويتمتع ابناء الاقليم بحقوقهم الثقافية والسياسية داخل بلدهم، ولم يبرروا الانفصال الذي لو دعمه الاوروبيون وغيرهم، تحت اية ذريعة، لوجدت اغلب الدول نفسها متشظية، كونها من اثنيات واديان وطوائف متعددة، واذا ما ارادت كل جهة ان تنفصل لتؤسس دولة مستقلة، ستعم الفوضى، ويستمر التقاتل على الحدود والثروات قرونا، وقد
لاينتهي.
قبل اندلاع التظاهرات الاخيرة، تم تحريك ملف اقليم البصرة من جديد.
وقد لفت انتباهي ما قاله احد المطالبين به، لاحدى الفضائيات؛ إنّ اقامة الاقليم ستكون حلا لمشاكل البصرة والعراق!!، في الحقيقة، لانعرف كيف اهتدى صاحبنا لهذا الحل السحري، فنفط البصرة يغطي الموازنة السنوية للدولة العراقية، ويوفر رواتب الجيش الوطني وقوى الامن والوزارات وغيرها من المؤسسات، بينما دستور 2005 يعطي للاقليم حق التصرف بالثروات الطبيعية المكتشفة بعد 2003، ويبقي ما قبلها فقط تحت تصرف الحكومة الاتحادية!! فضلا عن الامتيازات الاخرى، كإقامة سلطة كاملة، تتكوّن من رئيس للاقليم ورئيس وزراء ومجلس وزراء وبرلمان وحرس اقليم (جيش خاص)، وايضا، علم ودستور وتمثيل خارجي .. الخ .. فمن اين تأتي مصلحة العراق وتحل مشاكله وهو يرى البصرة بثرواتها، تصبح في ايدي قلة من الطامحين الحالمين بالمال والسلطة؟..
الشيء المهم هنا، هو هل يعرف هذا الناشط، حجم الاموال التي خصصت للبصرة منذ 2003 حتى الان؟ وهل يعرف اين وكيف صرفت؟ وهل الشباب الذين خرجوا للتظاهر، يريدون اقامة الاقاليم ام يريدون استعادة حقهم المنهوب، بعد ان اكدوا وحدة بلدهم ووحدة مطالبه
ايضا؟.