أوراق على طاولة التفاوض

آراء 2019/10/29
...

محمد شريف أبو ميسم
 
 
ونحن ازاء صراعات دولية واقليمية تحاول أن تتخذ من التشكيلات المجتمعية في بلدنا أوراقا للتفاوض على طاولة التوازنات والهيمنة، ثمة سؤال يدور حول مآلات الأحداث التي نعيشها وهي تنزلق دوما باتجاه مناقلة الرأي العالم لصالح مشروع هذا الطرف أو ذاك على حساب مصالحنا الوطنية. وفي هذا السياق يتبلور السؤال عن دوافع العنف غير المسبوق في التظاهرات الأخيرة التي شهدتها بلادنا .

والأصل في حق التظاهر بوصفه ممارسة تميل باتجاه المؤازرة بحثا عن الجماعة
، هو التأثير في مراكز صنع القرار بهدف تحقيق مطالب 
المتظاهرين. 
وهذه الممارسة وان أخذت الطابع الجمعي، الا انها في الأصل ممارسة فردية تلتقي عند نقطة جماهيرية مشتركة مع الممارسات الفردية الأخرى
، وبالتالي فان سلوك الفرد سرعان ما يؤثر في ملامحها السلمية التي قد تأخذ طابعا عارما حين تلقى استجابات فردية أخرى فتتوسع باتجاه مساحات مجاورة سرعان ما تستجيب لها السلطات في اطار المطالب المشروعة خشية أن تخرج تداعياتها عن نطاق السيطرة
، ولكنها غالبا ما تفشل في تحقيق مطالبها، عندما تأخذ منحا عنفيا جراء سلوك بعض الأفراد، فتنحسر أو تتحول الى شكل من أشكال المواجهة مع سلطة القانون قد تفضي الى تداعيات غير 
محسوبة.
 
تشابك مصالح
وبعد أن أصبحت الأحداث داخل حدود الدولة الحديثة امتدادا للصراعات الدولية والاقليمية
، في خضم تشابكات المصالح
، بدت التجارب الديموقراطية الحديثة “التي صنعها تيار العولمة مدعوما بهيمنة الشركات التي تحكم العالم” أكثر عرضة للتدخلات الخارجية جراء صراع الارادات التي تحاول بسط نفوذها داخل حدود الدولة
، وبالتالي فان خروج التظاهرات عن مسارها السلمي يستدعي وبالضرورة حدوث الصدامات وتوجيه معطياتها بحسب استراتيجيات تلك الارادات
، كما هو حال تجارب العديد من الدول التي شهدت التظاهرات غير السلمية بوصفها فتيلا لاشتعال
 الأزمات. 
 
موجة عنف
وهنا، لا يبدو من المعقول أن يسعى المتظاهرون لا جهاض محاولات تحقيق المطالب
، على توصيف  ان الاصرار على تغليب لغة العنف على اللغة السلمية مدعاة لتفريق المطالبين بالحقوق لأسباب شتى، في مقدمتها الخشية من مؤازرة مريدي العنف وهم بصدد تحقيق غايات الفوضى
، والخشية من التعرض لتداعيات العنف من دون طائل بعد أن يفقد التجمع السلمي امكانيات تحقيق المطالب السلمية، فتترك الساحة لمن يركب موجة العنف والغوغاء، حينها وبعد فوات الأوان تتجلى أهداف الارادات التي تتخذ من مسرح الأحداث ساحة لتصفية 
الحسابات. 
 
من المستفيد؟
وبالتالي يتبلور السؤال بشكل آخر يبحث عن المستفيد من تسويق السلوك العنفي في ظل تشابك صراع الارادات الخارجية داخل حدود الدولة على حساب مطالب المتظاهرين
، باتجاه تشكيل رأي عام لصالح طرف على حساب طرف آخر، وقد تجلى هذا الأمر في بلدنا منذ انطلاق تظاهرات البصرة في نهاية العام 2017، التي بدت وكأنها تؤسس لاجماع يحمّل بعض القوى السياسية من دون غيرها مسؤولية حالة التراجع التي شهدتها البصرة
، وراح الأمر يتصاعد كلما اقتربنا من موعد انتخابات مجالس المحافظات بما يؤسس لتشكيل رأي عام رافض لوجود هذه القوى التي يبدو أنها ورقة تفاوضية قوية لصالح طرف دولي على حساب أطراف دولية 
أخرى.