التلفيق الثقافي

ثقافة 2019/10/30
...

حسين رشيد
 
مفهوم السلطة باللغة العربية مشحون بالعنف والخضوع والامتثال لقوة قادرة قاهرة  لكن المفهوم الحديث يفرّق بين السلطة والقوة. فالقوة تعني اجبار الآخرين على طاعتك، فيما تعني السلطة الحق في ان توجه الآخرين نحو
 الافضل.
 اما السلطة بالمفهومين الفلسفي والأخلاقي، ضرورة اجتماعية (لتنظيم أمور المجتمع)، وضرورة نفسية (لتحقيق الشعور بالأمن)، وضرورة أخلاقية (لتحقيق العدالة الاجتماعية). فيما يتضمن مفهوم التسلط معاني: الظلم، القهر، الارهاب، الاكراه، التشدد، العنف، الباطل،
 القسوة، الارغام.
وثمة ثلاث سلطات ضد المثقف الأولى السلطة الرسمية (الحكومة) التي تحارب المثقف المختلف معها، بلقمة الخبز (الوظيفة)، او بالسجن (الاختلاف السياسي) والموقف من (الحكومة) او بكاتم الصوت (الاختلاف الايدلوجي)، والفرق بين الحث على التنوير او البقاء في كهف التجهيل والخرافات.
 السلطة الثانية وهي الثيوقراطية الدينية التي حاربت الفنانين بتحريم الموسيقى والمسرح والسينما والتشكيل واباحة دم المثقف الفنان, والسلطة الثالثة هي السلطة الاجتماعية التي حاربت المثقف بقوة العادات والتقاليد المضادة للتطور والتحضر والتقدم، والخوف من مهاجمته لتقاليد او نقده لظواهر سلبية
 عشائرية.
السلطة السابقة (البعثية) مارست عبر ازلامها شتى الضغوط على المثقف كي ينخرط ضمن توجهاتها ويدافع عنها اذ فلحت في ذلك، ومنهم من ذهب طواعية ان كان تملقا او طمعا بالامتيازات او معتقدا ومؤمنا بافكار السلطة، والاخير نسبة كبيرة منهم يحاولون التملص من ذلك الان، اذ يبتكرون شتى انواع التلفيق والكذب واختراع الحكايات على انهم اجبروا بالعمل ضمن مؤسسات السلطة البعثية، مثلما اجبروا على الكتابة وكيل المديح والتمجيد، وكتابة قصائد وقصص الحرب ومنهم من برع بتقديم اوراق نقدية وبحثية عما كان ينشر في الصحف
 والمجلات الدورية.
اما اولئك من ذهبوا طوعية فهم اليوم في ذات الامر تطوعوا للعمل ابواق لسلطات جديدة ولدت من رحم التغيير النيساني، سلطة الطائفة واحزابها/ سلطة القومية واحزابها/ سلطة العشيرة وشيوخها، وسلطة المسؤول الذي يتسنم مسؤولية عليا بالدولة، هؤلاء يبرعون بالتطوع، مثلما يبرعون بالخداع والتضليل والكذب والتزوير، يبرعون في اعادة كتاباتهم السابقة على نحو يلائم هذه المرحلة، مثلما باتوا يبرعون في ركوب اي موجة ثقافية، يحاولون من خلالها صيد مكافأة او الحصول على
 منصب استشاري.
 ومن كان منهم يشغل وظيفة حكومية، فهنا تبدو ثمة حاجة ليكون هو المسؤول او المدير، وان لم يسمح له التدرج الوظيفي او قانون الخدمة المدنية، فثمة وسائل اخرى تكبح هذه القوانين وتركنها جانبا.
نجا البعض من ضغوطات السلطة الثقافية البعثية وسقط اخرى منهم في اخر انفاس المقاومة اذ لم يعد بمقدوره التحمل ودرء المضايقات ومنهم من سقط بالضربة الاولى وكأنه كان ينتظر ذلك وهؤلاء بقوا كما كانوا كومبارسا ثقافيا. 
الناجون فضلوا الابتعاد وترك العمل الثقافي، والاعتزاز بالنفس، والبقاء على مهام المثقف الاساسية في اقامة روابط بين الثقافات والبشر، وتعزيز النزعة الانسانية العقلانية ورفض الاستسلام لاختزال حقل معرفي واحد ، معارض موضوعي لما يراه حقا وعدلا، يساند قضايا الناس الفقراء والمعدمين والمهمشين. في حين المثقف الذي ذهب طواعية الى احضان السلطة السابقة او من تطوع للعمل بوقا للسلطات الحالية فهم يخالفون كل ذلك بل ويعملون على العكس منهم تماما، لذا نحتاج للتدوين الثقافي كي ندرأ التلفيق
 الثقافي مستقبلا.