وأخيراً انتهت قصة زعيم عصابات داعش الارهابي الذي روّع الناس ونشر الخراب والدمار في نفوسهم وعقولهم لاسيما المناطق التي شهدت تواجدا لعناصره فيها طيلة سنوات قبل تحريرها والخلاص من الدم والسواد الذي طغى على الحياة فيها، أضف اليها حوادث الرعب والتفخيخ التي اخذت من تفكير المواطن مأخذا كبيرا وهو يجد انه محاصر رغم كل تحوطات الامن التي توفرها القوات الامنية او تلك التي يوفرها حدسه واحساسه بالخطر المقبل.
وقصة هذا التنظيم الذي شغل العباد قد اثرت بصورة مباشرة على مجريات الحياة في العراق طيلة سنوات من تواجده في المدن التي سيطر عليها قبل استردادها ببسالة البطولة العراقية المعهودة التي خلّصت تلك المدن من حياة بائسة يائسة تكلّمت عنها بعض الدوائر الاستخبارية الغربية بأنّ التخلّص من الارهاب لا يتم بأقل من عشر سنين او اكثر.
لكن ارادة الحياة يجب ان تستمر وهكذا تم التحرير والنصر. والسؤال الذي يطرح: هل سيتغير الوضع النفسي والاجتماعي للناس الذين سلبوا حرياتهم وقتلوا وروعوا جراء سياسة الرعب والبطش التي كان يتبعها التنظيم؟
لا شكّ بأنّ تأهيل العقول يحتاج الى فترات لتنتهي تأثيراته السلبية عليها وهذا سيكون مفتاحا للمستقبل والحياة الحلم والغد السعيد الذي اردناه وانتظرناه طويلا ونحن نتخلص من نظام شمولي اثر مباشرة على تطور البلاد جراء مغامراته وحروبه وانقطاعه عن العالم وانعدام فسحة التعبير التي مارسها طيلة اربعة عقود. من هنا تكون عملية قتل البغدادي واحدة من السبل الموصلة للاستقرار الامني على الاقل. ناهيك عن تأثيرها على نفسية المواطن الذي هالته مشاهد الموت والدمار اليومية ابان سنوات تردي الوضع الامني الذي ضرب بنية الانسان العراقي وجعلته لا يأمن الذهاب الى عمله خوفا من حدوث لحظة موت مفاجئة ربما لا يعود بعدها الى بيته.
وقد تزامنت عملية القضاء على البغدادي مع التظاهرات السلمية العراقية التواقة للتغيير الايجابي الذي يخدم البلاد. وهي مصادفة لم تكن بحسبان اي متظاهر سلمي يطالب بحقوقه وفق الدستور الذي كفل له حرية التعبير الصريح والعلني. من هنا كان تأثير الخلاص من رأس التنظيم قد منح دفعة من الامل والغد الذي يجب ان يعلن عن نفسه في رؤية مستقبل خال من المنغصات الحياتية اليومية التي رافقت العراقيين طويلا والتي ظلت تؤرقهم وهم يرسمون تفاصيل يومياتهم .. ان التظاهرات السلمية التي تطرح شعار التظاهر السلمي للتغيير الايجابي المنشود والتواقة لغد اكثر نصاعة، قد عززت من التفاؤل في لملمة الجراح ومن ثمّ وحّدت العراقيين مرة اخرى في اوسع عملية للدفاع عن البلاد والوقوف بصفها كما حدث ابان تحرير الارض من الاحتلال البغيض لداعش.
ان الاحداث المتسارعة التي تحصل، هي نتيجة طبيعية لبلد يدافع عن وجوده في خلق لوحة استغرق رسمها طويلا ونحن نواجه تحديات ليس اولها تهديدات الامن من المتربّصين ولا اخرها الحفاظ على البلاد التي ترانا نهتف باسمها دائما. ولا يشك اي عراقي بأن ما يجري الان ما هو الا تعبير حر عن ارادة العراقيين وهم مرة يدافعون ويقاتلون ويستبسلون، ومرة يتظاهرون بسلمية وبروح عراقية واحدة .