عبارة (الزراعة هي نفط دائم) المجازية، يراد بها الاحالة الى موضوعة اخرى هي ان الاعتماد على النفط بمفرده في رفد الموازنة السنوية سيؤدي الى نتائج اقتصادية كارثية، وسيصنف اقتصاد العراق بوصفه اقتصادا ريعيا، احادي الجانب، ومن تداعياته، غياب البعد الاستراتيجي، فالنفط كأحد أنواع مصادر الطاقة يعرف بأنه سلعة ناظبة اولا، ولكن الاخطر راهنا ووفقا للتطورات الاخيرة انه بات مهددا من بدائل متنامية وراحت اسعاره تترنّح وتتذبذب بشكل متزايد.
منذ سنوات العهد الجمهوري في العراق الاولى لم تكن الخطط التنموية جاده باتجاه استثمار عائد النفط بشكل مثالي يسعى الى بناء اقتصادي متنوع، وبنى تحتية رصينة ، فالاستراتيجيات غير رشيدة، كان الاولى أن تكون بمستوى عالٍ في بلد يحتل المرتبة الخامسة في العالم عالميا والثانية اقليميا في كمية الانتاج
، العراق مؤهل ومنذ اكثر من نصف قرن ان يشرع في نهضة كبيرة استثنائية في منطقة الشرق
الاوسط.
كان رئيس النظام السابق (صدام حسين) لا يفوت مناسبة، دون ان يزعم ان اخر برميل نفط، ينتج في العالم سيكون في العراق، مدعيا ان هذا النهج، يمثل الحرص الوطني باقصى تجلياته للاحتفاظ بهذه الثروة الوطنية للاجيال المقبلة، وبهذا كان يخفي اخطاءه التاريخية الفادحة بهذا المسوغ، ناهيك عن غباء مفرط في ادراك السيرورة التاريخية الراهنة للتطور العلمي والتطور التكنولوجي المتسارع في عموم
العالم.
فوفقا لمنظور رئيس النظام، ان العراق سينفرد بعد ردح من الزمان في امتلاك هذه الثروة والتي كانت وستبقى، في رايه، تمثل الشريان الحيوي للحياة والصناعة والتكنولوجيا للغرب
، عندها سيكون العراق هو المحتكر الوحيد لهذه السلعة في
العالم.
والحقيقة بعد تاريخ 2003 لم يحصل اي تغيير استراتيجي ملموس في مجال السياسة النفطية
، فلا وجود لصناعة نفطية داخلية، فلا زال هناك استيراد للمشتقات النفطية والغاز، من دول نفطية مجاورة
، وهذا النكوص والارتداد يعد اشبه بالامر الشائن في بلد مثل العراق يمتلك كادرا نفطيا مشهودا له بالكفاءة وخبرة فنية طويلة، ربما هناك زيادة في حجم الانتاج تحقق خلال العقد الاخير ولكن هذه الزيادة ابتلعت من قبل منافذ
عديدة.
فاذا كانت اموال النفط في النظام السابق قد حرقتها الحروب والاهوال، اما اليوم فان الفساد والفاسدين لم يبقوا عليها، ففي فترة ما كانت هناك نزعة واضحة لزيادة الانتاج فجرى اللجوء الى الشركات الاجنبية في عقود سميت بالتراخيص النفطية تبيّن لاحقا انها كانت ملاحقة بشبهة الفساد، فالمنفعة ليست متبادلة، بافضلية تعود على تلك الشركات بالفائدة، بعيدا عن
العراقيين.
ان ذاكرة الغرب ما زالت طرية لما مثلته كارثة حقبة عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما امتنعت اغلب البلدان العربية المنتجة للنفط من تزويد اسواق النفط العالمية بالبترول، مما ادى الى نقص حاد في المعروض العالمي له، اصيبت حكومات الدول الصناعية بالذهول والصدمة، فباتت تعمل على مدار الساعة، للحد من الاجراءات الناجمة عن عدم تأمين مصادر
الطاقة.
وعلى المستوى الاجرائي الفوري انطلقت منظمة الطاقة العالمية، وهي من بنات افكار -هنري كيسنجر- وزير خارجية اميركا الاسبق، كمضاد مقابل لمنظمة اوبك، اذ دعت الى الشروع في تخزين اكبر كمية ممكنة من النفط الخام واقدمت لاحقا على اطلاقه في السوق مما ادى الى انهيار في اسعار البترول الذي شهد قبل ذلك ارتفاعا غير مسبوق رافق
ذلك.
وعلى صعيد المنجز العلمي اذ شهدت المختبرات سعيا محموما، وليومنا هذا، منهمكة في عمل متواصل لاكتشاف وتطوير بدائل للطاقة بهدف تحجيم الطلب عليه.
إنّ الصراع والنزاع العالمي يتمركز اليوم في مجال الطاقة اذ تزداد شدته يوما بعد يوم، ومن يتخلّف او يهمش في الحصول على حصته المناسبة في المستقبل فلسوف يخسر الكثير
، فالانشغال لا يجري على مستوى المنجز التكنولوجي فحسب فهو بات يظهر كل مرة على راس البرامج الانتخابية للرئاسات في كل حكومات
الغرب.
إنّ ما يجري اليوم من تظاهرات عارمة ابتدأت مطلبيَّة وحقوقيَّة كان يمكن تلافيها منذ زمن بعيد، ولا اقول منذ عقود انما بعد تغير 2003، ففي السنوات الاكثر من عقد والنصف من السنين الماضي، كانت قادرة على تحقيق قفزة الى الامام هائلة تغطي كل ما يحتاجه الداخل على الاقل بدلا من اللجوء الى هذه
الحزم.