شـهــادة فـنـدمـان فـي قـضـيـة أوكـرانـيـا.. كـارثـة عـلى تـرامـب

قضايا عربية ودولية 2019/10/30
...

إلياس غرول وأيمي ماكينون
ترجمة وإعداد : انيس الصفار                                       
كانت شهادة المقدم “أليكساندر فندمان” يوم الثلاثاء نقطة تحول في ملحمة عزل ترامب بالنسبة للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، إذ قدمت شاهداً مباشراً على محاولة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” الضغط على أوكرانيا، وأبرزت رجلاً ذا سجل ناصع لا تشوبه شائبة الى بؤرة الضوء.
لم يكن السبب في ذلك كون فندمان، وهو جندي سابق خاض حرب العراق وخبير في شؤون اوروبا الشرقية ويشغل حالياً منصب مدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي، هو أول عسكري في الجيش الأميركي يدلي بإفادته حول سلوك ترامب بشأن أوكرانيا وكونه ايضاً أول مسؤول مستمر في الخدمة بالبيت الأبيض يتقدم للشهادة أمام محققي الكونغرس. كذلك لم يكن السبب مجرد كون فندمان أول مسؤول ممن اصغوا الى مكالمة ترامب مع نظيره الأوكراني في تموز يتقدم بكشف ما عنده.
تمثل السبب في أن فندمان قد عزز بالتفاصيل، وأكثر من أي شاهد سابق، ما سبق أن أورده بلاغ المخبر الأصلي الأول. في شهادته التي غطت ست صفحات وصف فندمان بعبارات محددة ومباشرة مسار الحملة التي أطلقها ترامب وحلفاؤه من اجل تحويل أوكرانيا الى سلاح سياسي داخلي، وكيف أن هذه المساعي قوّضت هدف واشنطن المتمثل بجر أوكرانيا الى احضان الغرب وجعلها متراساً ومصدّاً بوجه روسيا. تحوّل فندمان في الحال الى هدف لأتباع ترامب ومريديه، ووصمه الرئيس مستهيناً بأنه أحد المناوئين الكثيرين له وأنه قصد محققي الكونغرس ليشكو لهم مكالمة هاتفية سليمة تماماً لا يشوبها شيء. رغم كل هذا التشويه والتكذيب اللذين يرميه بهما فريق ترامب يبقى فندمان أقوى حصانة وأقوى موقفاً. على مدى الاسابيع الماضية كان الشهود يتابعون للمثول أمام محققي الكونغرس مؤكدين الادعاءات الجوهرية التي جاءت في شكوى المبلّغ الأصلي الأول، تلك الشكوى التي أبرزت الى الوعي الجماهيري ما كان يدبره ترامب مع أوكرانيا. ضم جمع اولئك الشهود بعضاً من أقدم الموظفين المدنيين المحنكين المخضرمين في الحكومة الأميركية، ففيهم من حارب في فييتنام ومن أدى الخدمة في السلك الدبلوماسي، و”بيل تايلر” وكيل المبعوث الأميركي الى اوكرانيا، و”ماري يوفانوفيتش” الموظفة القديمة في سلك الخارجية، و”فايونا هل” الباحثة في شؤون اوروبا الشرقية التي عملت في ادارات جمهورية وديمقراطية متعاقبة، و”كورت فولكر” الذي كان أحد مرافقي مساعد السيناتور الراحل “جون مكين”. هؤلاء جميعاً أنكرهم ترامب ووصفهم بأنهم جزء من مؤامرة تحاك ضده مبعثها الكواليس العميقة في الحكومة الأميركية. بيد أن شهادة فندمان تلقي لوماً جلياً على تصرفات ترامب كرئيس لا يزال في منصبه، وهي شهادة عضو من داخل مؤسسات الإدارة لا يزال يحظى بأعلى درجات الاحترام في أعين الأميركيين.
تقول “إيمي بيرا”، وهي من الحزب الديمقراطي وعضو في هيئة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: “الانتقاص الذي اعتاد الجمهوريون أن يصفوا الشهود به هو أن كل ما يقدمونه ليس أكثر من معلومات منقولة. حسناً .. اليكم هذه المرة شاهداً لا يزال يعمل في البيت الأبيض وهو قادر على تقديم معلومات اصلية من اطلاعه المباشر.” تقول بيرا إن ما سمعه هذا الشاهد سوف يمد الخيوط الى اشياء كثيرة ليربطها بعضها ببعض حول الكيفية التي سعى ترامب من خلالها الضغط على اوكرانيا. عندما اطلع فندمان على مكالمة ترامب الهاتفية مع الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلنسكي” بتاريخ 25 تموز، التي طالبه فيها بفتح تحقيق في النشاطات التجارية لنجل نائب الرئيس السابق “جو بايدن”، شعر في الحال بجسامة ما سمع. يقول: “اعتقدت أن من غير الصالح مطالبة حكومة أجنبية بالتحقيق في شأن يخص مواطناً أميركياً، لذا أحسست بالقلق من تداعيات ذلك على دعم الحكومة الأميركية لأوكرانيا.”
استغل ترامب وبعض حلفائه الجمهوريين عمل هانتر، نجل بايدن، بصفة نائب عن شركة الغاز الأوكرانية “بوريسما” كسلاح سياسي استباقاً للانتخابات الرئاسية في 2020 التي يمثل فيها بايدن متحدياً متطلعاً. خلص فندمان الى ان هذا المسعى قد تكون له تبعات خطيرة على سياسة واشنطن تجاه كييف. قال فندمان، كما ورد في نص بيانه الافتتاحي: “أدركت ان أوكرانيا، إذا ما مضت في التحقيق بشأن بايدن وولده وبوريسما،  فسوف يفسر الأمر بأنه تلاعب حزبي، وهذا سينجم عنه بلا شك فقدان أوكرانيا دعم الحزبين الذي كانت تتمتع به.” هذه الشهادة جرّت هجوماً فورياً على فندمان، ولكن الخلفية التي يستند اليها الرجل جعلته هدفاً أصعب من أن يتمكن منه ترامب وحلفاؤه أو يشوهوا سمعته. تركت اسرة فندمان، وهم من المهاجرين الروس، أوكرانيا في ايام الاتحاد السوفياتي عندما كان هو وشقيقه التوأم، الذي يعمل ايضاً في مجلس الأمن القومي، بعمر 3 سنوات. في بيانه الافتتاحي وصف فندمان كيف كدحت عائلته من اجل بناء حلمها الأميركي، حيث كان والده يعمل في ثلاث وظائف في مدينة نيويورك ثم يقضي المساء في دراسة اللغة الانكليزية. أما والدتهما فكانت قد توفيت قبل خروجهم من اوكرانيا بوقت قصير.
التحق فندمان بالجيش الأميركي وأنهى تدريبه الاساسي في العام 1999 ثم ادى عدة دورات خدمة خارج بلاده، ومن بين ذلك كوريا الجنوبية وألمانيا. بعد ذلك ارسل الى العراق عقب غزو العام 2003 ثم كرّم بوسام القلب البنفسجي بعد اصابة لحقت به جراء انفجار قنبلة. بعد ذلك حصل على درجة الماجستير من جامعة هارفارد في دراسات روسيا واوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وفي العام 2003 اصبح ضابطاً متخصصاً في الشؤون الأوراسية.
اثر شهادة فندمان التي فجّرت المشهد، ووسط الجدل الحاد الدائر بشأن ما إذا كان مسؤولون آخرون في البيت الأبيض سيتقدمون ايضاً للشهادة، سوف يواجه تحقيق العزل اختباراً حاسماً في وقت لاحق من هذا الاسبوع حين يجري اعضاء مجلس النواب تصويتاً لمنح تحقيقات العزل الصفة الرسمية. التصويت المقرر اجراؤه يوم الخميس المقبل سوف يرغم المشرعين الجمهوريين على اتخاذ موقف محدد ومسجل بشأن ما إذا كان هذا الحجم الضخم من الادلة المباشرة والمعززة على مساعي ترامب لارغام كييف يرقى الى مستوى جريمة تستحق العزل. المشرعون الجمهوريون من جانبهم يعبرون عن التذمر في ما بينهم بسبب صعوبة مواصلة الدفاع عن تصرفات ترامب، ولكن هذا شيء والتصويت بإزاحة رئيس حزبهم عن منصبه شيء آخر 
مختلف. إلا أن كلمات ضابط رفيع في الجيش يتقدم وهو بكامل قيافته العسكرية للشهادة على تصرفات فساد أقدم عليها الرئيس قد تكون كافية على الأقل لدفعهم نحو هذا الطريق.