الفطرة الصافية

اسرة ومجتمع 2019/11/01
...

حسين الصدر 
   - 1  -
الفطرة الصافية تأبى أن تشهد أي لون من ألوان الارتطام بالحرام ..،
ولا تطيق غض النظر عنه ..
واذا كانت العادة جاريةً على ان يتولى الكبار مهمات الوعظ والارشاد والنصح للاخرين، فقد يحصل العكس في بعض الموارد، ليتولى الصغار تلك المهمات باقتدار ونجاح، 
وهذا ما حصل مع خلف البزّار (خلف بن هشام) الذي كان يعاقر الخمرة وكان له ابن اخت يقرأ عليه سورة الأنفال 
فحين بلغ قوله تعالى:
{ لِيميز الله الخبيث من الطيّب } الانفال /97 
قال:
يا خال:
اذا ميّز الله الخبيث من الطيّب أين يكون الشرابُ ؟
فنكّس خلف البزّار رأسه طويلاً 
ثم قال:
مع الخبيث، فقال له 
أفترضى ان تكون مع اصحاب الخبيث؟ قال:
امضِ الى منزلي وأكسر الدنان واصبب كلَّ شيءِ فيه ..
وهنا نلاحظ :
1 – فطنة ابن اخت البزّار وفطرته الصافية، حيث سارع الى توظيف الآية المباركة لنهي خاله عما اعتاده من معاقرة الخمرة، وأقام عليه الحجة عبر السؤال المنتزع من الأية الكريمة، الأمر الذي أدى الى ردعه عن الاستمرار في ما كان قد اعتاد عليه.
2 – إنّ تلاوة القرآن حين تكون تلاوة واعية، تفتح الأذهان على آفاق رحيبة من المعرفة والقدرة على الاقناع في مضمار الدعوة للالتزام بأهداب الدين وأحكامه.
3 – إنّ البزّار لم ينتفض غضبا على ابن اخته مستهجنا تصديه لوعظه مع صغر سنه وانما تلقى موعظته بالقبول.
وهنا لا بُدَّ ان نذكر بما يصنعه أغلب الكبار مع من هم أصغر سنّا منهم اذا ما تصدوا إلى تنبيههم على ما يجترحونه من مفارقات 
يقولون لهم:
اخجلوا 
إنّا أكبر منكم سنّاً وأدرى منكم بشؤوننا..!!
مع ان هذه الكلمات الباردة لا محل لها من الاعراب 
فالحق – وإنْ جاء على لسان الصغير – أحقُّ ان يتبع 
والباطل – وإنْ تلبّس به ، الكبير – لا بُدَّ ان يرتدع عنه ..
تلك هي مقتضيات العقل والشرع والحكمة 
4 – وجاء في التاريخ 
ان البزّار قال ( أعدتُ صلاة اربعين سنة كنتُ أتناول فيها الشراب ...)
وجاء فيه ايضاً: 
ان البزّار ترك الخمرة والتزم الصيام فكان يصوم الدهر الى ان مات، تاريخ بغداد /ج8/ ص321 -322
وأين البزّار من ذلك التائب الذي قال:
يقول ابو سعيد مُذ رآني 
عفيفاً مُنذُ عامٍ ما شربتُ 
على يدِ ايِ شيخٍ تُبتَ قل لي :
فقلتُ : على يد الافلاس تبتُ
يقول :
إنَّ الذي ردعه عن معاقرة الخمرة هو الافلاس لا التوبة النصوح ..
وموطن العبرة من الحكاية :
ان الانسان الحصيف الحريص على التكامل لا بُدَّ ان يفتح قلبه وسمعه لقبول الحق والعمل به، ولا يزهد بالموعظة الناصحة، حتى اذا جاءت على لسان الصغار، فربّ صغير السن يفوق الكبار صفاء ونقاء واخلاصا...