عجزُ الموازنة الفيدراليَّة.. كابوس أميركا
اقتصادية
2019/11/01
+A
-A
واشنطن/ نافع الفرطوسي
مع اقتراب العجز في ميزانية الولايات المتحدة من مبلغ ترليون دولار للسنة المالية الحالية، تزدادُ الضغوطُ على الرئيس دونالد ترامب الذي تُركزُ حملته لتجديد ولايته على الانتعاش الاقتصادي، فبالرغم من نمو الاقتصاد وعائدات الرسوم الجمركية الجديدة، التي نجمت عن الحرب التجارية مع التنين الصيني، لكنَّ نسبة العجز في الموازنة بلغت 26 بالمئة، الأمر الذي يثبط معنويات الجمهوريين ويعرضهم لحرج كبير أمام قواعدهم وخصومهم الديمقراطيين.
الى ذلك سعى ترامب لإقناع بعض كبريات الشركات البترولية الأميركيَّة للاستفادة من حقول النفط السورية بعد سحب يد القوات الكردية (قسد) منها في مناطق الشمال الشرقي في سوريا، لكنَّ هذه الشركات رفضت.
عجزٌ كبير
وزارة الخزانة الأميركية ذكرت، أنَّ عجز الدولة الفيدرالية للسنة المالية 2019، التي انتهت في أيلول، يبلغ 984 مليار دولار، أي 4.6 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي. وهذا العجز هو الأكبر منذ العام 2012 عندما بلغ 1.1 تريليون دولار في عهد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، بينما كان أول اقتصاد في العالم يخرج من الأزمة المالية ومن الانكماش
الكبير.
وبالرغم من أنَّ الرسوم العقابيَّة التي جنتها وزارة الخزانة الأميركيَّة، والتي فرضت على السلع الصينية في إطار المواجهة التجارية التي تخوضها إدارة ترامب مع العملاق الآسيوي، قد جنت عائدات قياسيَّة بلغت 30 مليار دولار، بزيادة نسبتها 70 بالمئة عن الأحوال العادية. لكنَّ ذلك لم يمنع زيادة العجز بقيمة 205 مليارات دولار إضافية عن العام الماضي
2018.
واردات ونفقات قياسيَّة
وكانت الواردات قد سجلت ارتفاعاً نسبته 4 بالمئة وبلغت 3.46 تريليونات دولار، وهو مبلغ قياسي، لكنَّ النفقات زادت بنسبة 8 بالمئة لتبلغ 4.44 تريليونات دولار، وهو رقم قياسي تاريخي أيضاً. وارتفع العجز كذلك بسبب زيادة خدمة الدين التي بلغت 51 مليار دولار، بزيادة بلغت نسبتها 10 في المئة عن العام 2018، كما زادت النفقات العسكريَّة بنسبة 9 في المئة، والمساعدات للمزارعين الذين يعانون من حرب الرسوم الجمركيَّة الأميركيَّة الصينيَّة.
وقال وزير الخزانة “ستيفن منوتشين”: إنَّ “البرنامج الاقتصادي للرئيس دونالد ترامب جيدٌ بالفعل ويؤتي ثماره”، لكنه دعا المشرعين إلى الحد من “التبذير والنفقات اللامسؤولة” حسب وصفه.
ميزانيَّة جديدة
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تنشر وزارة الخزانة تقديرات الميزانية الجديدة 2020 التي بدأت منذ مطلع تشرين الأول، لكنَّ مكتب الموازنة في الكونغرس يتوقع أنْ يبلغ العجز فيها تريليون دولار، ليقفز إلى 1.5 تريليون دولار في 2028. ويؤدي هذا التزايد في العجز إلى زيادة دين أكبر اقتصاد في العالم الذي بات يبلغ 23 تريليون دولار.
وفي الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الأميركي أطول فترة انتعاش في تاريخه، والذي امتد لأكثر من عشر سنوات، تأتي بيانات وزارة الخزانة، لتؤيد ما أكده العديد من خبراء الاقتصاد، من أنَّ الانتعاش الأميركي هو نتيجة طبيعيَّة للإعفاءات الضريبيَّة التي أقرها ترامب مطلع العام 2018، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي، العسكري والمدني، خلال العام الماضي.
معدلات النمو
الرئيس ترامب سعى دوماً وفي العديد من المناسبات الى التفاخر بالانتعاش الاقتصادي، وارتفاع معدلات النمو، الناتجين عن سياساته الاقتصاديَّة، إذ تشير الأرقام إلى ارتفاع العجز منذ انتخابه، أواخر العام 2016، بنسبة 68 في المئة.
لكنَّ “كريس لو”، المستشار السابق للبيت الأبيض في عهد باراك أوباما، عبَّرَ عن انزعاجه من اتساع عجز الموازنة في عهد ترامب، على عكس وعده بتخفيضه. وذكر كريس لو أنَّ “الإعفاءات الضريبيَّة لم تمول نفسها كما وعد ترامب، وعلينا أنْ نتخلى تماماً عن فكرة أنَّ الجمهوريين يتمسكون بالالتزام المالي، فهذا لا يحدث إلا عند تعاملهم مع رئيس من الحزب الديمقراطي”.
ونشر لو عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، صورة بيانيَّة توضحُ تضاعف العجز مقارنة بما كان عليه في العام 2015،
مع إظهار ارتفاع العجز بصورة كبيرة بعد
إقرار الرئيس الأميركي قانون الإصلاح الضريبي.
مقترح وانتقادات
الى ذلك أثار اقتراح الرئيس الأميركي بأنْ تدير شركة إكسون موبيل أو شيفرون أو أي شركة نفط أميركيَّة أخرى حقول النفط في سوريا انتقادات حادة من خبراء قانونيين وخبراء في مجال الطاقة. وكان ترامب قد ذكر خلال مؤتمر صحافي بشأن عملية القوات الأميركيَّة الخاصة التي أدت إلى مقتل زعيم عصابات داعش” الإرهابيَّة أبو بكر البغدادي، ما اعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك والقيام بذلك بشكل صحيح… وتوزيع الثروة”.
ورفضت شركتا إكسون موبيل وشيفرون، أكبر شركتين نفطيتين تعملان في الشرق الأوسط، التورط أو حتى التعليق على تصريحات الرئيس.
وقالت لوري بلانك، الأستاذة بكلية إيموري للحقوق ومديرة مركز القانون الدولي والمقارن: “يسعى القانون الدولي إلى الحماية من هذا النوع من الاستغلال”.
فكرة غير أخلاقيَّة
وعلق جيف كولجان أستاذ العلوم السياسيَّة والدراسات الدولية بجامعة براون قائلاً: “فكرة أنَّ الولايات المتحدة ستحتفظ بالنفط في يد شركة إكسون موبيل أو شركة أميركيَّة أخرى هي فكرة غير مقبولة وربما غير قانونيَّة”. وأضاف أنَّ الشركات الأميركيَّة ستواجه “مجموعة من التحديات العمليَّة” للعمل في سوريا.
وذكرت إيلين روالد وهي باحثة كبيرة في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي أنَّ مجرد السعي لأنْ تطور إكسون أو شركة نفط كبرى أخرى النفط السوري سيكون “عملية صعبة” بالنظر إلى بنيتها التحتية المحدودة نسبياً وإنتاجها الضئيل.
البترول السوري
ومن الجدير ذكره، إنَّ الحقول السوريَّة كانت تنتج نحو 380 ألف برميل من النفط يومياً قبل اندلاع الحرب الأهلية. وقدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي في 2016 بأنَّ الإنتاج تراجع إلى 40 ألف برميل يومياً فقط.
لكنَّ أليكس كرانبرغ، رئيس شركة “أسبكت” القابضة للطاقة، التي استكشفت الإنتاج في إقليم كردستان العراق لم يعد لديها مشاريع نشطة في المنطقة، قال إنه يتعين أنْ تشعر الولايات المتحدة بالقلق على مصير حقول النفط السوريَّة.
وقال: “الفكرة ليست في أنَّ النفط نفسه يهم الولايات المتحدة كثيراً، ولكن سوء استخدامه قد يمول مشاكل مستقبليَّة لنا.. إذا وقع في الأيدي الخطأ”. وأشار إلى أنَّ البيت الأبيض لم يتواصل مع شركته بشأن المقترح على الإطلاق، مفيداً أنَّ “سيطرة الولايات المتحدة على الحقول والعملة الصعبة التي توفرها ستكون عاملاً مؤثراً كبيراً في شكل مستقبل سوريا”.