جاءت التظاهرات الشعبية الأخيرة في العراق لتؤكد أن مشروع الإصلاح بات مطلبا شعبيا ملحّا علاوة على كونه مطلبا وطنيّا تمّ تجاهله من قبل الحكومات المتتالية على حكم العراق بعد 2003. وفي الوقت الذي يكاد يتفق الجميع فيه على هذا المطلب نفتح نوافذ التساؤلات التالية. لماذا لم تتخذ الحكومة والبرلمان الحالي كل الخطوات التي اتخذتها اليوم نتيجة التظاهرات الشعبية التي أودت بالعديد من الضحايا؟، لماذا الإصرار على الإبقاء على المسار الخاطئ في قيادة البلد من قبل حكومات المحاصصة القومية والطائفية بالرغم من اتفاق الجميع على أنّ المحاصصة هي أهم أسباب استشراء الفساد في البلد؟،
اذا ما أردنا الإجابة الصحيحة عن هذه التساؤلات فعلينا أن نتحلى بالشجاعة لنقول بأنّ جميع المشتركين في العملية السياسية وكل السلطات والمؤسسات في الدولة العراقية بعد 2003 مستفيدة من حكومة المحاصصة التي ضمنت للجميع مكاسب فئوية وشخصية وحزبية ومناصب حسب حجم المكون والحزب بما يضمن له تحقيق مصالحه الضيقة ويمنحه مقومات بقائه في السلطة وتحقيق مكاسب مادية فاحشة من دون الالتفات الى مصالح المواطن ومصلحة الوطن العليا، الامر الذي جعلنا أمام حالات فساد كبيرة وضخمة لم يتم التصدي لها او محاسبة المسؤول عنها بالرغم من كشفها والاعلان عنها في وسائل
الإعلام ..
وبالرغم من المطالبات الشعبيّة المتكررة عبر عدد من التظاهرات وبالرغم من مطالبات المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف إلّا أنّ الطبقة السياسية لم تشعر بالخطر ولم تقدم على اي خطوة حقيقية لمكافحة الفساد واصلاح أخطاء التأسيس في العملية السياسية ولم يلمس المواطن اي جهد حقيقي لتحسين مستواه المعيشي او ضمان حقوقه التي كفلها له الدستور العراقي. وان الذي زاد جذوة الغضب الجماهيري هو عدم محاسبة الفاسدين من الرؤوس الكبيرة في العملية السياسية، كل هذا تسبّب في ايجاد حالة كبيرة من الاحباط واليأس لدى المواطن العراقي، الامر الذي جعلنا وجعل الحكومة امام تحد كبير وهو تظاهرات شعبية عارمة تطالب بالاصلاح الحقيقي الذي طال انتظاره منذ عقود. إنّ التظاهر حق مشروع للمواطن الذي يعيش في دولة ديمقراطية من أجل التعبير عن رأيه بكلّ حرية وهي دليل على وجود شعب واعٍ يعرف حقوقه ويطالب بها بالوسائل
السلمية.
اما التصادم بين المتظاهرين وبين القوات الامنية فيعتقد البعض انه ناتج عن اسباب متعددة منها غياب ثقافة التظاهر السلمي لدى بعض المتظاهرين وغياب ثقافة التعامل مع المتظاهرين لدى عدد من رجال القوات الامنية، كما يجب ان لا ننسى وجود بعض المندسّين الذين يريدون تعكير صفو التظاهر السلمي عبر تحريض المتظاهرين ضد القوات الأمنية والقيام بأعمال خارجة عن القانون.. ختاما نقول بأنّ على الحكومة ان تفوت الفرصة على أعداء العراق وان تنطلق بمشروع إصلاحي حقيقي وليس إجراءات وقتيّة لإرضاء المتظاهرين لأنّها قد تكون الفرصة الأخيرة
للإصلاح ..