في عِلم السياسة.. الخطاب وفوضى الكلام

آراء 2019/11/02
...

محمد يونس
 
تُعرِّفُ اللغة السياسيَّة أنَّ هناك فرقاً بين الخطاب السياسي وبين الكلام السياسي، فالخطاب يُمثلُ كياناً سياسياً، والكلام هو استهلاكٌ اجتماعي، وطبعاً في حيثيات علم السياسة هناك فارقٌ كبير، وكذلك في حيثيات علم اللغة هناك فرقٌ هائل، وفي اللغة لا بدَّ أنْ يحميها المنهج العلمي، لكنْ من يحمي اللغة السياسيَّة؟، وأعتقد أنَّ هذا السؤال لا إجابة عليه، على وجه الخصوص بعد أنْ ضاع الخطاب السياسي في العراق بعد 2003، إذ هيمن الكلام السياسي الى حدٍّ كبير، فليس هناك مكانٌ لن تجد خالياً من الكلام، إذ نحن في السيارة هناك حديثٌ كلامي سياسي، وفي البيت تجد الأسرة قد تكون منقسمة في الكلام السياسي، أو تكون في كلام واحد وليس بمتعدد التوجهات، وذلك مرض سياسي بالنسبة لي، فتوسع الكلام السياسي هو إشارة الى عدم وجود سياسي متماسك في ايديولوجيته ولا يتجاوزها، وهذا التماسك يمثل كادراً حزبياً متماسكاً، ولا يترك لخصومه أي
 ثغرة.
هناك كلامٌ هائلٌ يومياً للساسة تحديداً، ولمن يتبعهم عاطفياً، إذ أنَّ تعدد لقاء وآخر، حيث لا تجد في وجود ذائقة موجودة، بل تجد رد فعل كلامي، سواء كان من قبيل أي كادر سياسي في لقاء، أو أنَّ المقدم يستثمر موقفه في الكلام، وقد اعتادت أي فضائيّة أنْ تستثمر الوقت في الكلام السياسي، وهي تسعى في انعدام الخطاب الى كسب المتكلّم الى أنْ يعري أو يفضح فلاناً أو علاناً، وذلك وجوده في الاستغلال للمتكلم، وهو لعب دوراً في ذلك الاستغلال، فهو يبث الكلام المجاني، مثلما أي فرد يتكلّم في سيارة، ورغم أن هناك وجودا ايديولوجيا وهناك عاطفة ساخنة، ولذلك تجد أنَّ الأحزاب لا تحاسب أفرادها على الكلام المجاني، إذ صار أنَّ هذا الكلام ظاهرة سياسيَّة، وله وجود واسع كبحر مضطرب
 وهائج.
هناك استعارة من قبل الساسة للكلام الاجتماعي، وذلك كي يلبسوا وجه المجتمع عبر تلك الاستعارة، ولتلك الاستعارة غايات هادفة، وقد يكون الناس مؤمنين بأنّهم وليس هم الجهة الأخرى التي قهرتهم بوحشية همجية، ونحن لا نقصد أحداً، لكن هذا تحليل موضوعي، فنجد أنَّ هناك من ساوم على خطابه الايديولوجي باستعارة الخطاب الاجتماعي، ولا زال هناك من يستعير مشاعر الناس، ويلبس وجه الضحايا، وهناك من أوهمهم انه مثال انساني لهم، وهو لا يملك خطاباً حقيقياً، فيجعلهم يجلدون أنفسهم من أجله، كي يكون هو قمة كلامية وهم قاعدة له، وهذا موجود هنا او هناك وكلامه يؤثر في الخطاب بالشكل العام، إذ أن أيّ خطاب اذا وجد قباله سلطة كلامية لا يمكن له مقاومتها، وهناك انواع عدة للكلام التي تساوم بأي طريقة يمكنها، ما دامت السياسة تتيح
 له ذلك.
أخيراً نأتي على فكرة ما جدوى الخطاب السياسي، وما هي الأهمية للخطاب السياسي؟، ونحن لا نجاوب بشكل مباشر على هذا السؤال، لكن نسأل أحزاب ما بعد 2003، اي حزب منهم ثبت خطابه، وصار بالشكل الذي يميزه، ولا أعتقد أن هناك اجابة ايجابية لهذا السؤال، تؤكد أنَّ هناك حزبا له خطاب محدد، وهذا ما يجعلنا نقول إنَّ اي حزب لا يختلف عن الآخر، حتى وإن اختلفوا، فهم في خانة واحدة خطابياً، وهم بصيغة كلام يتحدثون، إذ تجد هنا فردا حزبيا اشار الى حزب آخر بصورة سيئة، تجد حزبه يؤكد أنه ليس خطاب الحزب، بل هذا كلام شخصي، وهذه إحدى المشاكل التي يسببها افتقاد ميزة
 الخطاب. 
فهناك اتاحة لحرية الكلام، وهذا بتوسعه يجعل هناك فوضى كلام، لا يمكن ارجاع الكلام حتى لو كان عدائياً الى حزب ما، وذلك هو كلام كادر حزبي وليس هو ارادة الحزب أو موقفه منه أو هي ايديولوجيته التي تمثل خطابه.