إنَّ فشل السياسة التجاريَّة في العراق كان السبب الأكبر في اتساع البطالة ذلك لأنَّ الإغراق السلعي قضى تماماً على الإنتاج الوطني وتسبب بتوقف المصانع والمعامل العراقيَّة التي كانت تسع مئات الآلاف من فرص
العمل.
وقد كان القرار غير الحكيم لبريمر بالانفتاح غير المدروس وراء هذه المعادلة الواقعيَّة بغض النظر عما إذا كان المقصود الوصول الى هذا الهدف أو لتدمير القطاع الصناعي الوطني.
وقد استغل قرار الانفتاح الحرمان الكبير الذي عانى منه المواطن للكثير من الصناعات الغذائيَّة والصناعات الكماليَّة الأخرى جراء العقوبات الدوليَّة التي تعرَّضَ لها العراق جراء السياسات الخاطئة، فأريد للانفتاح أنْ يعوضَ الحرمان (كلمة حق كان يراد بها
باطل).
وها هي النتيجة، فقد تعمَّقَ الحرمان لأغلب شرائح المجتمع من خلال فقدان فرص العمل للشباب وهذا ليس بمعزلِ عن السياسات الأخرى الخاطئة التي استمرت بعدم معالجة القطاعات الإنتاجيَّة.
وهنا أكرر القول: لا يمكن استيعاب حجم البطالة ما لم تعد ماكنات الإنتاج تدور على رحى الاستيراد الأهوج؛ وذلك يتطلب فسح المجال أمام القطاعات الإنتاجيَّة الثلاثة: الخاص والمختلط والعام للتصدي للبطالة.
ولنبدأ من المشروعات الصغيرة والمتوسطة فإنَّها من أهم أساسيات النمو في البلدان التي مرَّت بذات الظروف التي حلت بالعراق.
نلاحظ أنَّ هناك اهتماماً بهذا الجانب من خلال الدعوة لتخصيص المبالغ اللازمة لإقراض هذه المشروعات، لكنني ألحظ هناك قصوراً في تشجيع المشروعات الإنتاجيَّة التي تساعد في امتصاص حجم البطالة لعدم توجيه هذه القروض بالاتجاه الإنتاجي
الصحيح.
وهنا أعود ثانية الى إصلاح السياسة التجاريَّة الفاشلة التي ما زالت لم تقم بدورها الصحيح، فوزارة بحجم وزارة التجارة العراقيَّة عاجزة وعجزت عن رسم سياسة واضحة في تقزيم وإيقاف الإغراق السلعي.. فما الذي تنتظره؟.
إنَّ أي قرار لتفعيل وتنشيط القطاعات الإنتاجيَّة سوف لن يكتب له النجاح ما لم يعد النظر بسياستنا التجاريَّة ووضعها على الطريق الصحيح.. كيف؟..
ابتداءً لا بدَّ من هيكلة وزارة التجارة بالاتجاه التخطيطي وإخراجها من تقديم الخدمات التجاريَّة والتفرغ لرسم السياسة التجاريَّة المتعلقة بتشجيع الإنتاج الوطني وتحديد الاستيرادات، كما يقتصر دورها في تنظيم عمل الشركات والسياسة الاستيراديَّة والتصديريَّة والتفرغ للمتابعة ومراقبة السوق فقط، ويتعين التخلي عن القيام بدور التاجر في السوق، إذ ليس مهمتها خدمات تجاريَّة، إنما التخطيط ورسم السياسة التجارية فقط.
باستثناء الشركات المنظمة للعملية التجارية وتفرغها للتنظيم والتخطيط التجاري والمتابعة والمراقبة. ولنا عودة لمناقشة هذا الموضوع بصورة أوسع وأشمل.