حسين الصدر
- 1 -
روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين أنّه قال: “عليكم بأداء الأمانة، فو الذي بعث محمداً بالحق نبيّاً لو أنَّ قاتل ابي الحسين ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديتُه اليه)
- 2 -
من أهم الصفات الشخصية الانسانية وأخطرها التمسك بأهداب الامانة والوفاء بمستلزماتها.
ويكفيك أنّ الرسول الأعظم (ص) – الذي جمع مكارم الاخلاق كلها – كان يلقّب عند اهل مكة (بالصادق الأمين).
- 3 -
والأمانة من أبرز المؤشرات على الاستقامة، والبعد عن غمط الحقوق وهضمها، والنكول عن ايصالها الى أصحابها الشرعيين دونما مماطلة او انكار.
- 4 -
والمثال الذي ضربه الإمام السجاد لوجوب الالتزام بالامانة مثال مذهل:
إنّ السيف الذي قتل به الحسين (ع) هو من أفتك حبائل الشيطان، لا بل هو أخبثُ وأفظع قطعة سلاح عرفها التاريخ.
ومع هذا كلّه فإنّ الامام السجاد (ع) لن يتردد لحظة واحدة في ارجاعه الى صاحبه.
إنّ هذا المثال لا يُبقي لأحدٍ عذراً في التخلّف عن أداء الأمانة لأحد في مطلق الظروف والأحوال ومن دون استثناء على
الاطلاق.
- 5 -
يقول الشاعر:
دع الخياناتِ ولا تَأْتِها
تَحْظَ بأموالِ الوِرى كلِّها
والله قد قال بقرآنه
أدوا الأمانات الى أهلِها
- 6 -
والأمانة ليستْ في المال فقط، فقد تُؤتمنُ على سر من الاسرار فلا يجوز ان تبوح به، وقد تُؤتمن على مهمة معيّنة فلا بُدَّ من النهوض بأعبائها من دون إهمال أو تقصير.
وهنا نشير الى أنّ كثيرا من الموظفين في اجهزة الدولة ومؤسساتها لا ينفقون من وقتهم في أداء ما أوكل اليهم من مهمات إلّا القليل وينصرفون الى قضاء أوقاتهم في غير ما أريد منهم، وهذه هي الخيانة بعينها.
- 7 -
والطامة الكبرى تتمثل في ابرام العقود والصفقات الكبرى التي تتجاوز المليارات أحيانا على ان يكون لهم النصيب الأوفى منها مع أنّهم يتقاضون رواتبهم الشهريّة لقاء ما يؤدون من أعمال .. وهكذا يُوقعون البلاد في أخطر الازمات، ويرهقون الشعب بأفظع ألوان الفساد.
- 8 -
وعن طريق النصب والاحتيال والتلاعب بالارقام - خلافا لمقتضيات الأمانة – تكبّد العراق الجديد خسارة فادحة تجاوزت المئات من المليارات وهذا ما جعل العراق في طليعة الدول التي تفشى فيها الفساد وزادت فيها معاناة العباد.
- 9 -
ولا يكفي أن نلعن الخائن للامانة – أيّاً كان- بل لا بُدَّ من محاسبته واحالته الى القضاء وانتزاع ما نهبه من المال العام وارجاعه الى خزانة الدولة.
وهذا لم يحصل حتى الآن مع الحيتان الكبرى ورموز القرصنة واللصوص والخيانة للامانة.
-10-
غالبا ما يُساق الى القضاء بعض صغار الموظفين ويتم تجريمهم
أما كبار القراصنة واللصوص فهم في الغالب لا يلقى عليهم القبض لأنّهم خارج البلاد ...
والسؤال الآن:
كيف سمح لهم بالسفر؟
ومن الذي هرّبهم؟
والجواب:
إنّ منظومة الفساد، أحكمت أمرها، وحصّنت رجالها وأبعدتهم عن المساءلة بشتى الطرق والوسائل، وهذا كله يتم عن طريق عصابات معيّنة معروفة تتوالى الوعود الرسمية بالقضاء عليها لكن دونما تنفيذ ..
-11-
إنّنا نرى أنّ استرجاع المال العام المنهوب من قبل زمر الاختلاس هو من الأولويات التي يجب على السلطة القيام بها وإلّا فإنّ الديون قد تراكمت على العراق، والثقة قد انتزعت من قبل المواطنين بكلّ أولئك الذين فرّطوا في ملاحقة الفاسدين.
-12-
وحين تكبر الهوّة الفاصلة بين رجال السلطة وبين المواطنين فإنّ ذلك يشي بتراجع خطير في الاوضاع السياسية والاجتماعية والاخلاقية، وهذا هو الفشل الأكبر لرجال السلطة جميعا.
كما أنّه الضرر الأكبر للعراق والعراقيين.
-13-
والاحتجاجات الغاضبة التي عمّت أرجاء المحافظات العراقية مؤخراً هي الدليل على ما قلناه.. فلقد بلغ السيل الزبى.
حسين الصدر