الجيل العراقي الجديد ممن هم بعمر 20 – 25 سنة جيلٌ مختلفٌ جدا عن الأجيال العراقية السابقة وسبب الاختلاف أنّ الجيل الجديد (لا يخاف) تمكن من إيصال صوته بقوة وكان صوته أقوى من صوت الآخرين بما في ذلك (الجيوش الالكترونية المناهضة له) والتي توارت بعيدا لحظة نهوض هذا الجيل، وبالتأكيد جرأة هذا الجيل دفعت الأجيال التي سبقته لأن تكون هي الأخرى جريئة مستمدة هذه الجرأة من جيل الأبناء الذين أطلق عليهم البعض (جيل البوبجي) رغم أن هذه اللعبة تحتاج لتخطيط وذكاء كبير جدا كي تنجح فيها.
في الأيام الأولى للتظاهرات حدثني أحد الأصدقاء ممن تجاوز عمره العقد الخامس مؤكدا أنه عاد للبيت مسرعا ونادى على ابنه وطلب منه أن يحذف كل المنشورات التي كتبها على صفحته في الفيسبوك التي دعا فيها الناس وزملاءه الطلبة الى التظاهر قلت لصاحبي: لماذا طلبت هذا؟ قال أنا أخاف، قلت له أنا وأنت وغيرنا ممن هم في أعمارنا ننتمي لجيل الخوف، لكن ابني وابنك ينتمون لجيل الجرأة وعلينا أن نتعلّم منهم كيف نطالب بحقوقنا وحقوقهم أيضا.
هذه الحادثة أنا متأكد أنّها حدثت في أكثر من بيت عراقي وحوار دار بين الكثير من الآباء وأبنائهم وربما حصل تصادم بينهما، وربما الكثير من الشباب لم تتح لهم فرصة أن يتظاهروا سلميا بسبب إجراءات الآباء وخوفهم، لأن أغلبية الآباء لا يدركون أن جيل الأبناء تفكيرهم مختلف لأنّ عملية البناء الفكري لهم هي الأخرى مختلفة عما تربّى عليه الآباء، ثقافتهم عالمية عبر هذا الفضاء الواسع، وثقافتهم تتعدى حدود الكتاب المدرسي والصحافة المحلية وما تبثه القنوات الفضائية في البلد، وهم من ثمّ جزء من المجتمع العالمي خاصة وإن العالم بعد عقود قليلة ربما يكون موحّدا ثقافيا بسبب الفضاء وما يحتويه من بث للجميع دون استثناء.
ربما البعض يحذر من (عولمة) تنهي القيم والتراث، هذه الرؤية مطروحة لكن وجدنا أنّ الشباب العراقي لم يتأثّر بهذا بل محافظ على قيمه ومبادئه وعراقيته، بل يمكننا القول بكل فخر إنّ الجيل العراقي الجديد عزز قيم المواطنة ووحّد العراق من شماله إلى جنوبه وتمكّن من أن يشكل نقطة مضيئة في هذه المرحلة.
لهذا أجد من الضروري جدا أن تكون الدولة بوصفها العنوان الكبير والثابت والحكومة بوصفها السلطة التنفيذية ومن خلفها البرلمان كجهة تشريعية أن تضع في خططها الحالية والمستقبلية استيعاب الشباب العراقي المتجدد ليأخذ دوره في بناء الدولة وفق قواعد سليمة وصحيحة بعيدة كل البعد عما موجود حاليا من تقاسم سيء للمناصب الصغيرة منها والكبيرة وفق آليات حزبية وفئوية وأحيانا عائلية.
نحن نمتلك جيلا يحمل وعيا وقبل هذا وذاك يحمل حبا كبيرا للعراق أرضا وشعبا، هو جيل أخذ على عاتقه مهمة كبيرة جدا ألّا وهي التصدي للفساد، هذا الفساد الذي عجزت حكوماتنا السابقة والحالية في التصدي له، جيل شخّص مواطن الخلل في العملية السياسية ووضع حلولها أمام المسؤولين الذين اعترفوا بمشروعية المطالب التي نهض من أجلها شباب العراق.
لهذا على الحكومة أن تدرك جيدا أنّ الدول لا تتقدم ما لم يأخذ الشباب الفرصة الكاملة لأنّ هؤلاء من يجدد روحيّة الدولة ويديم زخمها بشكل كبير، ويفتح آفاقا جديدة لم تفتح من قبل.