الإحباط .. القاسم المشترك

آراء 2019/11/03
...

سعد العبيدي
 
إنّ التطورات التي حدثت بعد الأول من تشرين الأول هذا العام وكوّنت مشهداً يصعب وصفه ويصعب أيضاً التكهّن بمآله، لم يكن غير متوقع تماماً، إذ أن هناك الكثير من العوامل التي أفضت حتماً الى حصوله، وهناك الكثير من الشواهد التي زيّدتْ من توقع حصوله، ومع هذا بقيَّ زمن الحصول مؤجلاً الى تشرين الأول لاعتبارات 
عدة. 
ففي الحكومات السابقة، كانت عوامل الاثارة ذاتها موجودة وكانت الرغبات كذلك موجودة، وأخطاء الإدارة على سبيل المثال لم تتغير والاستئثار بالمناصب والمواقع والمنافع كذلك موجود، كوّنت إحباطاً ما زال هو القاسم المشترك لإثارة استجابات الضد لجميع مراحل الحكم منذ العام ٢٠٠٣ وحتى الآن.
لقد أُحبطَ المجتمع العراقي من نتائج التغيير التي كوّنت مجتمعاً متصارعاً غير آمن، وأُحبطَ من العملية السياسية التي أسهمت في حصول تجاذب بين الفئات والمكونات وزيّدتْ وقع الصراع، وأحبط الانسان والمجتمع من طريقة تسلّم وتسليم المسؤولية ومن الحزبية التي لم تقدم الى مصافِ المراكز العليا للقرار كفاءات قادرة على تقديم الحلول، هذه وغيرها مثيرات كثيرة كوّنت قدراً من الإحباط، واجهته الحكومات المتعاقبة بالعجز من وضع الحلول الكفيلة بتقليل المثيرات، فتزايد كم انفعالاته المكبوتة تدريجياً حتى وصل أخيراً مستوى يصعب تحمله، دفع الجمهور المحبط للشارع مطالباً بحلول، فاتحاً منافذ عقلية لتصريف قسم من تلك الانفعالات بطريقة تفريغ لا تخلو بالنسبة للبعض من عنف
 مصحوب. 
إنّ مظاهرات التفريغ من كم الاحباطات الموجود خرجت أيام حكومة السيد المالكي، ومن بعدها خرجت أيام السيد العبادي، لكنها لم تتطور بالشكل الذي تطورت اليه في هذه الأيام، وسوف لن تكون النتائج المتوقعة للتظاهر متشابهة بين تلك الأزمنة وهذا الزمان، لأن وضع البلاد ومقادير النفوذ الأجنبي في ساحته مختلفاً وسبل التعامل مع ساحة التظاهر هي الأخرى مختلفة وكذلك الأشياء والأزمنة، وأعمار الأجيال، فجيل التغيير الذي لازمه الإحباط منذ الطفولة قد كبر ونضجت عنده قدرات الادراك، وتدرّب على إدارة ذاته وتحديد الاتجاهات بطرق التواصل الاجتماعي التي لا تسيطر عليها الرؤوس التقليدية والجهات الحكومية، لذا كانت مظاهراته وكأنّها بلا رؤوس معروفة أصحابها ومموليها والجهات السياسية التي تقف خلفها وتتحكّم 
باتجاهاتها... 
عامل أعطى التظاهر قوة دفع لم تكن في صالح الجهات الأمنية المعنية بالتعامل بعد أن عجزت في أن تجد من تتعامل معه سوى جمهور من الشباب في مقتبل العمر مليئين بالتحدي والرغبة في التغيير، يتصرفون كما يحلوا لهم ويريدون بحرية مفتوحة يتمنونها واحساس قوي في أن الوطن هو الذي يفتشون عن وجوده الملموس وهو الرأس الافتراضي، الدافع الى التظاهر. من هذا يصح القول ان الإحباط هو القاسم المشترك الأعظم لتفعيل التظاهر، إذا لم تجد الدولة حلولاً معقولة لتصريفه أصولياً، سيأتي بنتائج لم يعد أحد قادراً على 
توقعها.