الخلل التشريعي في الدستور العراقي

آراء 2019/11/03
...

زهير كاظم عبود 
 

أولاً:- يشكّل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي، مهمتها تقديم تقريرٍ إلى مجلس النواب، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور، وتُحلّ اللجنة بعد البت في 
مقترحاتها.
ثانياً:- تعرض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة دفعةً واحدة على مجلس النواب للتصويت عليها، وتُعدّ مقرّةً بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس.
ثالثاً:- تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب وفقاً لما ورد في البند (ثانياً) من هذه المادة على الشعب للاستفتاء عليها، خلال مدةٍ لا تزيد على شهرين من تاريخ إقرار التعديل في مجلس 
النواب.
رابعاً:- يكون الاستفتاء على المواد المعدلة ناجحاً، بموافقة أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوّتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
واستثنت الفقرة خامساً من هذا النص الصلاحية التي منحتها المادة (126) من الدستور والتي أعطت الحق لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب (اقتراح) تعديل الدستور الى حين البت في التعديلات المنصوص عليها في المادة (142). 
لم يقم مجلس النواب بهذه المهمة التي نصّ عليها الدستور أو انه تلكأ في تشكيل مثل هذه اللجنة بالرغم من تعاقب الدورات التي مرت على مجلس النواب، غير مدرك لتراكم الأخطاء وماتسببه بعض النصوص من خلافات وإخفاقات ليس من مصلحة العراق أن يصل
اليها. 
غير أنّ الفقرة رابعا من المادة (126) والتي تم تعليق العمل بها مع بقية فقرات النص المذكور لم تجز إجراء أي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحية الأقاليم والتي لاتكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية (إلّا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني) وموافقة أغلبية سكّانه باستفتاء 
عام. 
ونصوص الباب الرابع الخاص باختصاصات السلطات الاتحادية رسم الحقوق مقلوبة فقيّد وحدّد اختصاصات السلطات الاتحادية (المادة 110) ، وجعل بعض الاختصاصات مشتركة بين السلطات الاتحادية والأقاليم (المادة 114)، غير انه منح سلطات الأقاليم في المادة (115) صلاحيات مطلقة فيما لم يرد به نص ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، في حين ان المنطق القانوني والدستوري يقيّد ويحصر صلاحيات الأقاليم، وجميع الحقوق الباقية من صلاحيات السلطات 
الاتحادية. 
إنّ تشكيل مجلس النواب وحده لا يمثل السلطة التشريعية لمخالفته لنص المادة (48) من الدستور، إذ تتكوّن السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد، وكان الدستور قد أجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد الى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين (بعد دورته الانتخابية الأولى) التي يعقدها بعد نفاذ الدستور في العام 2005، الا أن المجلس تغاضى عن تنفيذ النص رغم تعاقب الدورات الانتخابية لأسباب لم تعد خافية على خبراء القانون الدستوري. 
كما أن لجوء المشرّع الى إحلال تعبير (مجلس الرئاسة) المنصوص عليه في فقرات المادة (138) في الدستور هو لجوء استثنائي، بدليل انه نص في نهاية الفقرة أولا من هذه المادة على إعادة العمل بالأحكام الخاصة برئيس الجمهورية (بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ الدستور)، وهو ماتم العمل به الا بقاء النص الاستثنائي والملغي في الدستور يشكل عيبا وخللا تشريعيا، حيث ان نصوص الدستور تشكل  مجموعة القواعد القانونية والأسس التي تبني على أساسها الدولة مبادئها وأحكامها  وقوانينها وشكل الحكم 
فيها. 
وقانون المحكمة الاتحادية العليا شاهد على التلكؤ والخلافات التي تعيق صدور مثل هذا القانون المهم في العملية التشريعية، إذ أنّ بناء النظام الدستوري الذي يستند الى سيادة القانون يكون حريصا على إصدار قانون لمحكمة دستورية تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسّر النصوص الدستورية وتفصل في الخلافات الناشئة عن تطبيق القوانين، كما أنها الجهة التي تفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ولرئيس مجلس الوزراء وباقي 
الوزراء.   
ولأنّ مجلس النواب غارق في تجاذباته ومشاكل الكتل التي يتشكل منها، ولأنه أكثر حرصا على توزيع المناصب والوظائف الرفيعة من حرصه على تنفيذ نصوص الدستور بدقة وأمانة، فقد تخطى العديد من النصوص أو تناساها اعتقادا من بعض المعنيين من الأعضاء بأن مرور الزمن كفيلٌ بأن يجعل خبراء القانون الدستوري والمشتغلين بالقوانين يتناسون أو ينسون هذه الإخفاقات التي أدخلت بلادنا في أوضاع لا تسر الحريص على استقرار العراق وأمنه وشعبه، وليس دون معنى ان تطالب الناس بتعديل الدستور او بناء عملية دستورية سليمة، كفيلة بأن تضمن الحقوق والحريات التي يتم انتهاكها دون ان تجد رادعا لهذه الخروقات.