مضى شهر على انطلاق التظاهرات الشعبيّة في عموم البلاد، وهي التظاهرات التي اعترفت جميع سلطات البلاد بها وبمطالب المتظاهرين وأخذت الوعود تتسارع يقابلها تصعيد المتظاهرين واستمرار الضغط الجماهيري إلى أن وصل إلى شكل من أشكال تعطيل الحياة.
بقي المتظاهرون ينتظرون الخطاب الحكومي المصحوب بتنفيذ المطالب، ولكن بعض الحلول التي قدمها مجلس النواب قد تتسبب بتصاعد اصوات المتظاهرين ومضاعفتها، ومن بينها مشروع التقاعد الجديد الذي لم يكن من بين مطالب الجماهير، وقد يتسبب، قريبا، بموجة اعتراضات لها أن تتسبب بعودة التظاهر.
إنّ من شروط مقبوليّة الخطاب بين المتكلّم والمتلقي هو وجود عقد مطمئن وأرض خصبة، تسمح بانسيابية ومقبولية الرسالة التي يريد المتكلم إيصالها للمتلقي؛ ولكي تتوفر شروط التواصل بين المتكلم والمتلقي يجب توفير المناخ النفسي لكي يتحقق التواصل.
في بيان السيد رئيس الوزراء الذي وجهه مؤخرا إلى المتظاهرين، طالب بالعودة إلى الحياة الطبيعيّة، لكن الناس مازالوا ينتظرون؛ كان هناك حديث للشيخ قيس الخزعلي لوسائل الإعلام، وطرح الشيخ الخزعلي معلومات أمنية خطيرة، وقال إنّ نتائج لجنة التحقيق في الاحداث الأخيرة لم تكن مقنعة، وتحدث عن خيوط مؤامرة تشكل 1% في صفوف المتظاهرين، ووصف أغلب المتظاهرين بأنّهم أصحاب مطالب حقة؛ وعن خيوط المؤامرة تطرق الشيخ الخزعلي إلى اشخاص لم يسمهم في الرئاسات الثلاث وفي القيادات الأمنية، وهذا الأمر يوجب المراجعة ومفاتحة الناس ومحاكمة من تآمر على الشعب والدولة. أغلب الوعود التي تطرق لها مجلس النواب هي مشاريع، يتوجّس المواطن البسيط من امكانية تحقيقها، وحتى هذه اللحظة لم تعلن الجهات المعنية عن خطة لتعديل الدستور وتعديل قانون الانتخابات وتوفير اطمئنانات بهذا الصدد كي تعود الحياة الطبيعيّة. بل إنّ بعض الاستجابات لا تمثل الرأي الجماهيري العام؛ فالمتظاهرون خرجوا لتصحيح العملية السياسية وليس لزجهم في قوائم مُنحٍ للعاطلين، مع ان هذا الأمر يعد مطلبا من مطالبهم لكنه مطلب جزئي قياسا بالمطالب المصيرية التي تنص على رفض المحاصصة وما إلى ذلك من المطالب الصميمية، فلا شمول جميع الطلبة بامتحان الدور الثالث يسهم في حلحلة الأزمة ولا بعض التعيينات السريعة تجعل المتظاهرين يعودون إلى الحياة الطبيعية التي طالب بها السيد رئيس الوزراء، لأنّ من بين أهم المطالب هو فتح ملفات الفساد ومحاكمة الفاسدين كي يتوفر اهم شروط التواصل بين الحكومة والشعب وتعود الثقة التي لا يمكن التوصل لحل من دونها. لقد وصلت التظاهرات إلى منعطف خطير، أعني المطالبة بالإضراب والعصيان المدني، وهو ما طالبت به بعض النقابات، ولعلّنا نتذكّر لقاء السيد رئيس مجلس النواب بالنقابات، فهل انقطع حبل الوصال بين النقابات والرئاسات الثلاث؟ كما ان بعض النقابات تمثل هدفا من أهداف المتظاهرين، فكيف يتم التفاهم معهم وهم مرفوضون من جمهورهم ويحاولون استغلال غضب الجماهير لمغازلة وادعاء تمثيلهم وتبني مطالبهم.
الوضع يحتاج إلى إجراءات سريعة توازي سرعة تصاعد الغضب الجماهيري الذي وصفته جميع السلطات بأنّه غضبٌ مشروع لتصحيح مسار العملية السياسية ومحاكمة المفسدين، فالعودة إلى الحياة الطبيعية تحتاج إلى اجراءات اطمئنان سريعة، تعيد للمواطن الثقة وتثمن تضحيات أسر الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات.