منحوتات البارثينون بين بريطانيا و اليونان
بانوراما
2019/11/04
+A
-A
هيلينا سميث (من أثينا)
ترجمة: مي اسماعيل
خلال ساعات من تسلمه منصب رئاسة الوزراء البريطانية؛ وضع بوريس جونسون نسخة من تمثال "بريكليس-Pericles" (السياسي والعسكري الاغريقي) على طاولة عمله. درس جونسون الكلاسيكيات في جامعة أوكسفورد؛ لكن اهتمامه المعلن بها سيكون موضع اختبار مع اقتراب موعد الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لبدء حرب استقلال اليونان (1821م)؛ إذ ستُصعّد اليونان حملتها المطالبة باسترجاع آثارها من المتحف البريطاني.
ويستعد رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس" لصفقة براغماتية قد تنهي المعركة التاريخية على كنوز "إلجين" (منحوتات معبد البارثينون الشهير في أثينا) يسمح بموجبها بعرض كنوز لم يسبق عرضها خارج اليونان مطلقا من قبل لكي تعرضها لندن مقابل إعادة منحوتات البارثينون إلى أثينا بحلول العام 2021؛ قائلا: "نتمنى ونطمح لخلق الظروف المناسبة لسفر التراث الثقافي اليوناني حول العالم؛ لنوصل بذلك المساهمة العظيمة والأساسية لبلدنا بتشكيل الحضارة الغربية.
وفي هذا السياق، ولأهمية ذكرى سنة 2021 سأقترح التالي لجونسون: كخطوة أولى- أقرضني المنحوتات لفترة معينة من الزمن، وسأُرسل لك تحفا أثرية مهمة جدا لم تغادر اليونان سابقا لكي يعرضها المتحف البريطاني".
تصارع أثينا (الخارجة من عقد تقشف موجع) الافلاس؛ لكن هذا أول عرض من نوعه تتلقاه لندن منذ سنوات طوال. يمضي "ميتسوتاكيس" رئيس الوزراء وزعيم وسط اليمين قائلا: "لا ينتمي الأكروبول بالضرورة لليونان حصريا؛ فهو صرح للتراث الثقافي العالمي. ولكن اذا رغبت برؤية ذلك الصرح فعليا بكامل كيانه فعليك أن ترى ما نسميه "منحوتات البارثينون" في موقعها.. انها قضية جمع شمل الصرح".
عناد المتحف البريطاني
من المدهش رؤية كم بقي من إفريز منحوتات البارثينون حتى اليوم؛ وهو أول عمل فني من القرن الخامس قبل الميلاد صوّر الآلهة جنبا الى جنب مع شخوص بشرية، مؤسسا لما سيصير اسلوبا جديدا للفن الاغريقي الكلاسيكي الرفيع.
يبلغ طوله الكلي 160 مترا (ويعاني التجزئة الشديدة) وتوجد 115 مترا ضمن كتلة واحدة، منها خمسون مترا قيد العرض لدى أثينا، ونحو ثمانين مترا في لندن؛ وهذه الاخيرة انتزعها اللورد "ألجين"؛ سفير بريطانيا حينها لدى الدولة العثمانية، سنة
1802.
وهناك اجزاء من الافريز تنتشر بين ثمانية متاحف أوروبية اخرى. منذ أثير موضوع استعادة التحف الاغريقية من قبل الفنانة اليونانية ووزيرة الثقافة "ميلينا ميركوري" خلال الثمانينيات؛ صد المتحف البريطاني باستمرار طلبات إعادة القطع التي لا تقدر بثمن. لكن البريطانيين أظهروا مؤازرتهم للطلب اليوناني؛ إذ أظهر استطلاع اجري سنة 2014 أن 23 بالمئة فقط من البريطانيين يريدون بقاء تلك التحف في بلدهم. يقول "ميتسوتاكيس" (51 سنة): "بالطبع يبقى طلبنا لاستعادة المنحوتات قائما؛ ولا أظن أن على بريطانيا خوض معركة خاسرة، وسيتصاعد الضغط الموجه اليهم".
ولم يكن متوقعا أن يثير رئيس الوزراء اليوناني القضية بهذه السرعة.
وفي خطوة تعدها الغالبية انها ستُحرِج الجانب البريطاني؛ استجابت فرنسا بحماسة غير متوقعة لإقتراح يوناني أن عليها هي الأخرى إرجاع جزء من إفريز البارثينون الى اليونان.
يعد متحف اللوفر ذلك الجزء من أثمن ممتلكاته؛ ويصوّر القنطور "centaur" (= مخلوق اسطوري بجسم حصان وجذع انسان. المترجمة) يقاتل امرأة قوية البنية من اللابيث "Lapith" (= اقوام اسطورية اغريقية. المترجمة) وهي تتمسك
بمئزرها. تعد هذه المنحوتات من خيرة أعمال النحات والمعماري الاغريقي الشهير "فيداس- Phidias" الذي انتدبه "بريكليس" لتزيين البارثينون. قدم ميتسوتاكيس الطلب خلال محادثات مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أثناء زيارته الرسمية الاولى الى باريس؛ وكان الرد الايجابي مدعاة بهجة الوفد اليوناني: لقد وعد الفرنسيون بالنظر بإرجاع التحف الاغريقية النادرة مقابل استعارة برونزيات اغريقية لم يسبق رؤيتها لعرضها في اللوفر.
قال ميتسوتاكيس معلقا: "يجب أن يكون هناك مزيد من المرونة والحركة؛ كجزء من مفهوم الترويج لثقافتنا الأوروبية المشتركة. فإذا حدث هذا فسيكون أول انفراج صغير..".
سرقة التحف "فعل خلاق"..؟
تجددت الضغائن مطلع العام الحالي بشأن منحوتات البارثينون عندما نبذ "هارتويج فيشر" مدير المتحف البريطاني أي اقتراح لإعادة المنحوتات لليونان؛ واصفا وصولها الى بريطانيا بأنه.. "فعلٌ خلاّق..". وكما هو الحال مع بريطانيا؛ هناك أوجه شبه في كيفية حصول باريس على ما تملكه من أفاريز البارثينون قبل نحو ثلاثة عقود من انطلاق حرب الاستقلال من السيادة العثمانية (وهي حرب دموية شرسة تكللت أخيرا بالاستقلال).
كان السفير الفرنسي لدى القسطنطينية بمثابة حالة سبقت اللورد "ألجين" البريطاني؛ حينما أمر بجمع أكبر كمية ممكنة من المنحوتات.. وهي مهمة أوكلت الى "لويس فوفيل" قنصل فرنسا الخبيث الذي أشرف على تنقيبات الأكروبوليس سنة 1788.
إثر هزيمة فرنسا في مصر على يد البحرية البريطانية (بعد نحو عقدٍ من الزمن)؛ شرع "ألجين" بحملة لإثراء مجموعته الخاصة، مصدرا تعليمات لوكيله على الأرض بحزم المنحوتات.. "في صناديق منفصلة وبصورة لا تُمكّن المراقبين الفضوليين من التعرف عليها".
نُقلت المنحوتات بالسفن الحربية الى بريطانيا، قبل أن يضطر ألجين (بعد افلاسه) لبيعها الى المتحف البريطاني سنة 1816.
تقول أثينا أنها لم تعد ترغب بالحديث عن ظروف ازالة تلك المنحوتات؛ وهي ظروف بقيت موضع جدل وركزت على مصداقية حصول ألجين على موافقة من السلطات العثمانية لسلب أكثر ما يمكن.
بدلا من ذلك تقول الحكومة اليونانية أنها ترغب بالتركيز على التبادل؛ كما ترى وزيرة الثقافة "لينا مندوني" (عالمة الآثار الكلاسيكية): "هناك نحو 21 ألف موقع آثاري معروف في اليونان، ولدينا عشرة أضعاف ما يمكننا عرضه. هناك شيء ثمين يكتشف كل يوم.. نريد تصدير تلك الأصول
الثقافية".
كما لا ترغب أثينا بالتركيز على بريكست وما اذا كان على بريطانيا.. "القيام بالتصرف اللائق" بتسليم المنحوتات الآن؛ وهي على عتبة مغادرة الاتحاد الأوروبي (كما تجادل حملة الاسترجاع اليونانية). لن يكون هذا تعامل بوريس جونسون الأول مع قضية منحوتات البارثينون؛ فقد دعا (بوصفه رئيسا لاتحاد طلبة أوكسفورد) الفنانة والسياسية اليونانية "ميلينا ميركوري" لمناقشة القضية في بريطانيا سنة 1986. التقطت الوزيرة والطالب صورة معا قبل اعتلائها المنصة مدافعة عن قضية اعادة الآثار اليونانية الفريدة.
جاء في موسوعة ويكيبيديا ان رخاميات ألجين هي مجموعة منحوتات اغريقية كلاسيكية كانت تحلي أفاريز معبد البارثينون على تلة الأكروبوليس بالعاصمة اليونانية أثينا، تعود لما يقارب أربعمئة سنة ق. م.، من عمل النحات والمعماري الاغريقي الشهير "فيداس- Phidias"
وتلاميذه.
نزع ايرل "ألجين" البريطاني تلك المنحوتات في سنوات 1801-1802 ونقلها الى بريطانيا؛ بزعم أنه حصل على فرمان من السلطنة العثمانية (التي كانت تحكم اليونان آنذاك) بشرعية عمله؛ وهو مستند لم يؤيده ارشيف الدولة العثمانية (رغم غناها بمتعلقات الحقبة المعنية). يعرض الجزء المتبقي من منحوتات البارثيون في متحف الأكروبوليس بأثينا، وقد ترك موقع المنحوتات المسروقة خاليا.