نحن نكتب لأننا يائسون!

ثقافة 2019/11/05
...

 ترجمة : عدوية الهلالي 

 
في سن الثالثة والثمانين ، لا تؤمن ماريز كوندي بالتوقف عن الكتابة والاستسلام ..هذه المرأة التي يسكن جسدها الوهن والمرض ، لاتزال قادرة على مجابهة العالم بنظرتها الحادة وافكارها
الحيوية.
تعيش الكاتبة الغوادالوبية ماريز كوندي في منزل صغير هادئ في لوبيرن بعد ان فازت في عام 2018 بجائزة نوبل البديلة للأدب ، وكانت كوندي قد نشرت خمسين عملا أدبيا متميزا يناقش اغلبها قضية الاستعمار والفوضى التي تعقبه ، وتواصل الكتابة حاليا لتروي مذكراتها انطلاقا من مدينة غواديلوب حيث ولدت وحتى تجوالها في الدول الافريقية خلال فترة شبابها ومعاناتها ، وتصف كوندي في كتابها كما في كتبها الاخرى ظروف السود في أراضي البيض ..الاهمال والاستعمار والعبودية والبحث عن الهوية والمرأة وحرية الكتابة والشعور بالوحدة والمعرفة والعنصرية ، ولهذا السبب ،وصلت كتبها المنشورة وردود فعل النقاد عليها الى جميع انحاء العالم .
لقد كتب عن ماريز كوندي الكثير ، عن حياتها وطفولتها ضمن عائلة من الطبقة البرجوازية الصغيرة الغوادولوبية ،وعن اكتشافها للكتابة من خلال رواية ( مرتفعات هورليفن) ثم معاناتها من الاستعمار ، وتأثرها في الكاتب ايميه سيزير وعلاقة الحب وانجابها الاولاد ..ومن خلال تجاربها الافريقية ، ادركت كوندي أن افريقيا لا تعترف بها كابنة لها بل تعتبرها غريبة عنها ، لكنها لم تتنازل عن كونها القلب النابض بآلام افريقيا لذا واصلت الكتابة عنها والقاء المحاضرات في جامعة كولومبيا وتعاقبت رواياتها التي تغوص في قضايا القارة السوداء ، ثم تم تعيينها كرئيسة للجنة احياء ذكرى العبودية ..ومن رحم هذه الحياة ، ولد عملها الأدبي الذي تم تتويجه بجائزة نوبل البديلة للأدب ، وهو العمل الذي يستكشف العالم مابعد الاستعمار، فضلا عن تناول قضية الاصول الافريقية وتعدد الهويات ومحاولة النساء تحرير انفسهن من اضطهاد الرجال ومصائر اولئك الذين يفرون من الجزر الافريقية طمعا بحياة أفضل ثم معاناتهم من العنصرية والاقتلاع من الجذور.
تقول ماريز كوندي :» عندما كنت شابة ، كنت اؤمن باننا سنبني عالما أفضل يتوحد فيه الناس وتختفي العنصرية وهيمنة جهة على جهة أخرى ، لكني كنت مخطئة ، فالبشر لا يتوحدون بسهولة ووعود الحكومات بالتقدم لم تتحقق “..وقدمت كوندي تجربتها من وحي جولاتها في افريقيا ، في ساحل العاج وغينيا وغانا ومالي حيث لم تجد ترحيبا بها كابنة لافريقيا بل كعنصر
 أجنبي.
وتبتعد تجربة افريقيا الحقيقية وتنوعها وغربتها كل البعد عن افريقيا التي تخيلها ايميه سيزير ومعظم المثقفين الكبار في الكاريبي ، وفي ما يخصها ، تأثرت كوندي في كتابات فرانز فانون وشيدت رواياتها على اسس نظرياته ..وتقول كوندي :» نحن لا نكتب نيابة عن الآخرين او للآخرين ، فأنا لا امنح كتاباتي لأحد ، حتى الى زوجي ريتشارد ولا اطلب رأيه ، بل يسمح للناشر فقط أن يتدخل احيانا في نصوصي “ وتضيف :” نحن نكتب اولا لأننا يائسون ولأننا نريد أن نجعل العالم أفضل ، فالكتابة هي مثل الاجابة عن
سؤال : ماذا يمكنني أن أفعل ؟في مواجهة العنصرية والاضطهاد ومأساة المهاجرين والهجمات “..ففي عام 1902 ، سأل لينين: ما العمل ؟.
وكان الجواب عن ذلك : فكر ..قل ..اكتب ، طالما كان ذلك ممكنا !
ومنذ أن فقدت ماريز كوندي السيطرة على يديها ، بدأت تملي كتاباتها مرتين في الاسبوع ، لكنها ترفض حاليا البوح بتفاصيل كتابها الجديد منوهة الى كونه يتناول الحياة المثالية لما بعد الموت ..تقول كوندي انها تخشى الموت والتوقف عن الكتابة ، وتروي قصة اصابتها بالسكتة الدماغية لمدة نصف ساعة اذ غابت عن الوعي ونسيت كل شيء ..أين كانت وما كانت تفعل ، مؤكدة ان شعورها كان رائعا ورهيبا في نفس الوقت ، ومتسائلة ان كان ذلك
 هو الموت!!
اكملت ماريز كوندي دراستها في باريس ثم عاشت في ساحل العاج وغينيا وغانا وبعد طردها من غانا استقرت في لندن حيث عملت في المكتب الافريقي لوكالة البي بي سي ، بعد ذلك استقرت في السنغال حيث قابلت ريتشارد فيلكوكس الذي سيصبح زوجها الثاني في عام 1981 ..نالت كوندي شهادة الدكتوراه في الادب من السوربون ، وبعدها نشرت روايتها الاولى ( هيرميه كونون ) ثم اشهر رواياتها والاكثر مبيعا التي تحمل عنوان ( سيغو) ..ثم توالت رواياتها لتحصل عام 2018 على جائزة نوبل البديلة في عام 2018 .
 
* عن : مجلة باري ماتش الفرنسية