المتظاهرون يريدون عراقاً عادلاً قويّاً

آراء 2019/11/05
...

سارة السهيل
 
مع تصاعد الاحتجاجات بالعراق ترجمة لرفض المتظاهرين لكل اشكال الفساد الذي ينخر كالسوس في البلاد، ومع الدعوات لعصيان مدني، فإنّ الحكومة العراقية باتت مطالبة بأسرع وقت بإجراء اصلاحات جذرية في منظومتها السياسية والاقتصادية تلبية لحاجات المتظاهرين المشروعة في حياة كريمة بعيداً عن الفقر والجوع والمرض، وهي أبسط حقوق الإنسان.

ورغم سلسلة الاجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية لاحتواء الاحتجاجات، فإنّ هذه الاجراءت لم تفِ باحتياجات الشعب الثائر، خاصة وأن 22.5 بالمئة منهم فقراء بحسب الاحصاءات الدوليّة، وتصاعد الاحتجاجات يكشف عن رفض اصحاب الحقوق المشروعة في وطنهم لأية محاولات لترقيع الاوضاع الاقتصادية الشائكة عبر وعود بالاصلاح او اصلاحات جزئية محدودة تهدئ من ثورة الثائرين حتى يفضوا التظاهر، و”تعود ريمه لعادتها القديمة” فساد ملأ السموات والارض يدفع ثمنه شعب قدم أعرق الحضارات في التاريخ الانساني. 
والواقع يؤكد عمق الفجوة بين الشعب والكتل السياسية، وعلى استمرار غياب العدل في توزيع ثروة البلاد، وكشفت صرخات المحتجين عن حقيقة غياب منصة ديمقراطية شرعية للمطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة، لانه ببساطة شديدة النواب لا يمثلون من انتخبهم ولا يؤدون دورهم في ايصال طلبات الشعب للمسؤولين. 
والنتيجة الطبيعية هي اندلاع التظاهرات والفوضى واستخدام الاطفال فيها وتعريض حياتهم للخطر، بل ودفعهم للتطاول على الشرطة والجيش، في تجاوز انتهاك صارخ لمعاني الطفولة. 
نعم هناك خوف من أن يسرق اصحاب الاجندات ثورة المحتجين ويقودوا البلاد للهلاك، كما اننا لانقبل بضياع هيبة الشرطة والجيش، بل ان سحب السلاح من الجميع وتسليح الجيش يعد ضرورة للاستقرار ومن أراد خدمة الوطن فلينتسب رسميّا للجيش، لكن هذا لا يبرر قتل المتظاهرين السلميين فهذا عار لا يمكن محوه من تاريخ العراق.
ان استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين أمر لم يعد مقبولا، وانه حان الآوان للحكومة العراقية ان تقوم بالتطهير الذاتي من داخلها لاقتلاع سوس الفساد الناخر في اضلعها، اول خطوة في هذا التطهير هو كشف المتورطين بالفساد ومحاسبتهم بكل حزم، وبنظري فإنّ الضرورة تقتضي ـ كما يطالب المتظاهرون ـ باعادة تصحيح الدستور بما يضمن حقوق الشعب حسب الكفاءة وبمعزل عن المحاصصة والتقسيم الطائفي وفي اعتقادي ان الحكومة مطالبة بوضع خطة قابلة للتنفيذ الفوري على الارض للاصلاح السياسي الذي يقود الى اعادة توزيع ثروات البلاد بشكل عادل بجميع المناطق، والاسراع في تنفيذ خطط متوازية لدعم الخدمات الصحية والتعليمية وجميع المرافق 
الضرورية.
وأقول للحكومة وفّري لنا هذه الطلبات واذا رأيتي أية مظاهرات  فقولي وقتها على المتظاهرين، مخرّبين او بعثيين او مندسين قل ماتريد.  
فالشعب العراقي يريد توفير متطلبات الحياة الاساسية والضرورية اليومية من  مستشفيات حديثة وضمان صحي.
نريد مدارس محترمة وجامعات متطورة كما في دول العالم، وهذا حقنا لاننا نعيش في دولة نفطيّة فيها كل الخيرات، ونريد مصانع ومعامل لتصنيع احتياجاتنا البسيطة، وهذه المصانع بالتأكيد ستوفر الالاف من الوظائف لأبناء الوطن.
ونريد بلدا زراعيا متقدما، خاصة واننا نعيش في بلد به نهران وحضاراته قامت على الزراعة، ومن ثمّ يجب الاسراع في استثمار طاقة علمائنا بالجامعات لتطوير الزراعة واحداث نقلة نوعية فيها لسد الجوع والفقر والاكتفاء الذاتي.
العراقيون جميعا ينتظرون الاسراع في اقامة دولة حديثة شوارعها معبدة ونظامية مثل الدول المجاورة تتوافر فيها محطات قطار ضمن المواصفات العالمية بما معناه تأمين وسائل نقل للمواطنين، وحل مشكلة الكهرباء وتوفير المياه للمنازل معقّمة ونظيفة كما يستحق المواطن العراقي.
وينتظر المتظاهرون سرعة احياء وبعث السياحة بالبلاد  لتأخذ مكانتها بين السياحة العالمية، فبلد السبع حضارات والأقدم عالميا ولا تستغل السياحة به هذا امر مستهجن، فلنطور ادوات السياحة من آثار ومتاحف وغيرها من المرافق فقد تأخرنا كثيرا، كما اننا نحتاج وسائل ترفيه للاطفال من حدائق وألعاب ترتقي بالطفل العراقي المسلوب الطفولة، كما انه يحتاج لنوادٍ علمية ورياضية وأماكن يملأ بها فراغه بشيء نافع.
ويأمل كلّ مواطن عراقي أن يمتلك بيتا آمنا وليس كبيوت التنك والعشوائيات، وان يتقاضى راتبا يؤمن به احيتاجات معيشته بكرامة وعزة، على ان يتم تأمين الوظائف للعاطلين عن العمل والتدريب على المهن الخدمية والحرفية لأنّ الوطن بحاجة النجار والحرفي حاجته للطبيب والمهندس وان يتم التوظيف حسب الخبرة ومجال الاختصاص.
وختاما، نحن نريد دولة قوية فيها قانون يحمي الضعيف وينصره ويرجع الحقوق لاهله، وجواز سفر عالميا يكون محترما ومقدرا من كلّ دول العالم بما يتناسب مع سيادة العراق وامتلاكه زمام أموره واستقلالية 
قراره.
أظن أنّه اذا تحققت هذه المطالب الاساسية التي تحظى بها الدول المجاورة، فلن نجد متظاهرا واحدا يطرق الشوراع بل انه سيعمل جاهدا على الحفاظ على ما حققته له الدولة من مكتسبات، وانني بهذا المقال الذي أمثّل به نفسي ورأيي الشخصي متأكدة من انه حتى المسؤولين يعرفون ان هذا هو الصحيح، ولكنني في النهاية أطالب المتظاهرين ان يبقوا على وطنيتهم ووحدتهم، كما هم ينادون بعراق واحد موحد عربي كردي شيعي سني تركماني يزيدي صابئي مسيحي مسلم أخوة بالمحبة والسراء والضراء، كما ان يحافظوا على بلدهم وممتلكاتهم بعيدا عن اعمال العنف والشغب او اتلاف املاك الوطن، فأنتم خرجتم للإصلاح بل لاعمار العراق وليس تدميره، نشدّ على ايديكم بالإصرار لأخذ حقوقكم بالطرق السلمية وحذارِ حذارِ من الانجراف خلف كائن من يكن من أَي دولة خارج العراق لتكون أجندتكم وطنية محلية.