{لستُ قديسة لكني فواحة كالياسمين»

ثقافة 2019/11/09
...

شكر حاجم الصالحي
 
وانت تقرأ نصوصها تدهشك جرأة تناولها لموضوعها، فتضطرب دقات قلبك المُتعب وترتفع حرارة جسدك الذي انهكته سنواته التي عبرت الثانية والسبعين، وتبتهج - رغم كل هذا فالنصوص تجارب حية بدمها ولحمها، وليست من خيالات بطرة، ومن بين سطورها تتحسس الآم منتجها وكبوات تجاربها العاطفية وخيانات من منحته مفاتيح جسدها البض، فصال وجال في ربواتها وبساتينها المعطرة بدموع الوفاء والتفاني والحلول في اسرار المحبة وتجلياتها، وتبتهج اكثر واكثر عندما تقرأ هذه النصوص وقد خاضت في تابوات الجسد، مجسدة مالم يكن متاحاً بتناوله من قبل، فالمنتجة لهذه النصوص الشجاعة امرأة من شرق المتوسط هذا الذي يغط في ظلام العادات المتخلفة والجهل والنظرة الدونية للمرأة، هذه (الياسمينة) الانسانية قالت ما كانت تعيش لحظاته بصدق المعاناة وصراع القيم وهيمنة قيودها ، وكانت بحق الصوت والنفير لإنهاء هذا الواقع المدنس بتعاليم دهاليزه السرية ، كانت هيام عبد الرحمن مغربل مبدعة من طراز خاص في مجموعتها هذه (لست قديسة لكني فواحة كالياسمين)، صحيح ان ما تناولته في التفاصيل ليس من اجل إثارة غرائز القراء ولكن لكي تدين واقعاً وعلاقات زائفة غير متكافئة ، ضحيتها المرأة على الدوام ، فموضوعة الجنس والجسد والايروتيك اصبحت في متناول الاستعمالات الكتابية المتعددة لكن ان تكون بهذه (الوقاحة) المهذبة، فهي تستحق ان يشار الى مجترحتها بوافر الاعجاب والاشادة وقول ما تستحق من ثناء... وهذا ما أحاوله في هذه السطور الصادمة الودودة.. تقول هيام عبد الرحمن مغربل في (يكفي) النص الذي يلخص تجربتها الثرية في الخيبات والغدر ويكاد يكون مضمون هذا النص القاسم المشترك لنصوصها الخمسين في التناول والجرأة:
لا احتاج لدليل يكفيني ما جاء / شكراً لقلبك المريض وروحك الرثة / شكراً على نزع قناعك / والظهور على حقيقتك / وهل أحتاج لأكثر من هذا / لست اسفة عليك؟ تحررت من سجنك / .../ أعطيتني ظهرك وانصرفت دون تبرير / سرحت مع اخرى من بنات السبيل / مع عاهرة تبيع جسدها للعابرين /مع مومس تعلق فخذها حسب الطلب / أنت لم تخسرني بل خسرت نفسك / وخسرت روحك التي تعفنت من  وساخة العابرات... ص26
وهناك نصوص اكثر صراحة وكشفاً عن واقع عاشته هذه الياسمينة الانسانة وسفحت ماء روحها لكي تحافظ على نقاء علاقتها الانسانية بذلك الذي لم يكن بمستوى التضحية والايثار وكان لهيام ان تقول ما قالته من غير ان تخشى ظلام الواقع المريض ،ان نصوص هذه المجموعة تؤشر الى حقيقة ان المرأة في شرق المتوسط لم تعد كما يريدها (سجانها) رحماً للإنجاب ومتعة لليالي العابرة ، فقد ادركت ان عليها ان تكافح من أجل حياة أجمل وعلاقات انسانية متكافئة لا تقوم على المتع الآنية والغرائز الحيوانية ، فالمرأة هذا الكائن الجميل لا تستحق إلا كل ما يبجل دورها في الحياة ويديم وهج عطائها ، وفي نصها (استيقاظ) تأخذنا هيام عبد الرحمن مغربل الى عوالم الجمال فهي تقول: 
بعد ان ترتحل الكواكب
وتغفو الأقمار
يشبُ جسدي من غفوته
أفحص نبضه
أكتشف
أن لا دم يجري في عروقي غير دمك
فأنا أعود مرة ثانية للحياة من عزف أنا ملك
من أنفاسك
التي تزداد أريجاً وانا بين يديك
 
ما أجملها من صور تنعش القلب وتؤجج مشاعر المحبة ما بين اثنين اندمجا في مشهد حياتي يجسد الحياة التي نتمناها لكل بني الانسان ، إنها لحظات الصدق والتجلي في حضرة المحبوب ، لكن الامور لا تجري كما تتمناها هيام ، فتطفو على السطح المكائد والخيانات وترتبك الوشائج حد الانقطاع بعد أن لمست ما لمست من غدر وجحود ولهذا كله ابدعت (دعني) فكانت مسك ختام مجموعتها التي تستحق وقفة مطولة ازاء نصوصها المعبرة عن تجربة تنبض بصدقها ومرارتها: 
لا عليك اذهب ترعاك ظلالك / إذهب حرستك أوجاعي / وسكاكين نرجسيتك / وما خلفت من جراح / لاتذر عنقك لي ، لا تلتفت / لم تعد مجدية كلمات الاعتذار / ولا نظرات الرثاء / لم يعد مجدياً كل شيء/ دعنا نتحصن بالصمت / وننسى كل ما حفرت الايام / اذهب / دعني لحنيني وتعقب الريح .../ دعني ص 102 
وفي نهاية هذه المتعة القرائية اتمنى مخلصاً ان ينتبه من يعنيه الامر النقدي ليقول كلمته الفصل في (لست قديسة لكني فواحة كالياسمين) ففيها الكثير مما يستحق الفحص
والقراءة.