حين يتحدث الشعراء عن الكتاب

ثقافة 2019/11/12
...

حسين الصدر 
- 1 -
قال شاعر معاصر:
الكُتب قد أضحت بساتيني 
وَبِرائعِ الثمراتِ تُغريني 
عَبَقُ العلومِ وما تفوح به 
يُزْرِي بموّار الرياحينِ 
والكُتْبُ تُعطيني بلا منَنٍ 
والخِلُّ يُبخل أنْ يواسيني 
والكُتْبُ ما ضاقت بِنا أبداً 
وأَضيقُ بالشكوى فَتُسليني 
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) انه قال:
"الكتب بساتينُ العلماء"
وهي كذلك دون شك.
ومن هنا تجد العلاقة بين المفكّر والكتاب علاقة السمك بالماء ..!!
 
- 2 -
واذا كان الكتاب قد حظي بعناية العلماء والمفكرين، فإنّهم قد سلّطوا الأضواء على المكانة المتميّزة للكتاب بوصفه أبرز وسائل المعرفة والثقافة، وقالوا فيه ما أوصد الأبواب أمام القائل ويكفيك ان تستعرض ما قاله الجاحظ في الكتاب ومزاياه.
ولكنّنا في هذه المقالة الوجيزة يهمّنا التعرّف على بعض ما قاله الشعراء في هذا الباب.
 
- 3 -
من منا لم يسمع ببيتٍ شهير للمتنبّي يقول فيه:
أعزُّ مكانٍ في الدنا سرجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ 
وهو بهذا يحث على مجالسة الكتب والانتهال من ينابيع العلم والمعرفة.
وقال السري الرفاء يصف بعض كتبه :
عندي اذا ما الروضُ أصبح ذابلاً 
تُحَفٌ أغضُّ من الرياض شمائلا 
خُرْسٌ تُحّدثُ أخراً عن أول 
بعجائبٍ سلفتْ وليس أوائلا 
تلقاكَ في حُمْرِ الثيابِ وسُودِها 
فتخالهنَّ عرائسا وثواكلا 
وتُريكَ ما قد فاتَ مِنْ دهر مضى 
حتى تراهُ بعين فِكْرِكَ ماثلا 
وإذا خلوتَ بهنَّ ظمآنَ الحشا 
مَنَحَتْكَ مِنْ صوب العقول مناهلا 
فالكتاب أغضُّ من الرياض شمائلا،
وهو وان كان صامتا لا ينطق إلّا أنّه متحدث بأخبار الأولين والآخرين..!!
وتضم الكتب في ثناياها حُزمةٌ من الافكار والاخبار قد تكون احيانا موجعة محزنة، ولكنها تكون احيانا كالعرائس المبهجة التي تملأ النفس نشوة وغبطة وارتياحا ...
ثمّ إنّها تُطلعك على ما فات من تاريخ الأمم والشعوب والحضارات فتراه ماثلاً بين يديك.
ومتى ما ظمئتَ الى العلوم والآداب والثقافة والمعرفة فإنّكَ واجِدٌ فيها أعذب المناهل.
ويكفيها ذلك رفعة وسمواً 
وقال شوقي:
أنا مَنْ بَدّلَ بالكُتْبِ الصحابا 
لم أجد لي وافيا إلّا الكتابا 
صاحبٌ إنْ عبتَهُ أو لم تُعب 
ليس بالواجِدِ للصاحب عابا 
كلما اَخْلَقْتهُ جدّدني 
وكساني مِنْ حلى الفضل ثيابا 
الكثير من الأصدقاء ليسوا بأوفياء ولكنَّ الكتابَ وفيٌّ لصاحبه.
وانك قد تعيب هذا الكتاب أو ذاك دون أنْ يعيبك..
وهو وان تقادم به العهد يبعث فيك من الجدّة والنشاط ما يضفي عليك أبراد الفضل والآداب.
ومثل هذا الصاحب لا يسوغ أن تفارقه أو تزهد فيه 
وهنا تكمن العظة 
وقال كاتب السطور :
هام قلبي تعّلُقا بالكتابِ 
وهو أُنسي في وحشتي واكتئابي 
وهو خيرُ الاصحاب نفعا ولطفا 
ولقد فاقَ سائرَ الاصحابِ 
وثرائي به وليس بمالِ 
فهو كنزي وعُدّتي وحسابي 
وجميلٌ أنْ تُنفق العمر لكنْ 
في رحابِ العلوم والآدابِ
وهكذا بات الكتاب ثروة وكنزاً بعد ان كان خير رفيق وصاحب.
وللشاعر المرحوم السيد هادي كمال الدين بيتان يقول فيهما:
فالكتُب منها بَدَنٌ ليست له 
روحٌ وبعضُ الكُتبِ روحٌ وبَدَنْ 
وبعضها بالفلس لا تسومُه 
وبعضُها كان له أغلى ثَمَنْ 
وهنا يذكر الشاعر أربعة أصناف من الكتب :
1 – منها ما هو بمثابة البدن الخالي من الروح. 
2 – ومنها ما هو روح وبدن وهذا هو الرائع الرائق.
3 – ومنها لا قيمة له على الاطلاق، ولا يُشترى بفلس واحد..!!
4 – ومنها ما هو أنفس النفائس وثمنه أغلى الأثمان...
قد تجد كتابا أنيقا مطبوعاً في أحسن المطابع ولكنك لا تجد فيه ما يجذبك اليه فهو خالٍ من الروح...
وقد تجد في كتاب آخر ضالتك فهو يروي ظمأك، وينعش روحك، ويمدّك بزاد معرفي مهم.
وهناك كتب تافهة واخرى يراد منها التضليل... فهو ليست بذات قيمة على الاطلاق.
إنّ الكتاب النفيس هو تحفة التحف، 
ومن هنا فلن يُستكثر عليه ما تبذل من مال لكي تفوز بالحصول عليه ..