أثناء ما كانت أم ياسر تؤدي أعمالها المنزليّة المعتادة، من جمع الحطب والطبخ وصنع الخبز ورعي الماعز، توقفت لبرهة لتبيّن سبب قرارها قيادة سُيّاح متجولين في مسيرتهم عبر جبال شبه جزيرة سيناء المصريّة.
تقول أمّ ياسر، البدويّة المنتمية الى قبيلة حماده: "بشكل معتاد، دور المرأة هنا هو رعاية شؤون المنزل والأسرة والأطفال، أما مرافقة السياح في جولات، فقد مثّل المرة الأولى التي أكسب بها المال". وصارت أم ياسر هذا العام أول امرأة تسجل رسميا كدليل ضمن مبادرة الجولات السياحيّة المقادة بدويّاً عبر ما يعرف بـ "طريق سيناء"، الذي كان لفترة قريبة جدا يمثل مسار الجولات السياحية الطويل المسافة الوحيد داخل مصر، والذي تديره ثماني قبائل تعيش في المنطقة.
اختبرت أمّ ياسر الأعراف السائدة للجنسين ضمن بدو سيناء، الذين لديهم تاريخ طويل بمرافقة المسافرين والحجاج عبر مناطقهم، حينما قادت أول مجموعة سياح خلال نيسان الماضي وهي بعمر 47 سنة، ولديها النيّة الكاملة بمواصلة هذا العمل. ويجلب فصل الخريف بداية موسم تجوال آخر، الذي يجري عادة أثناء موسم الربيع؛ ويمكن أن تدرَّ عملية قيادة السياح ما يقرب من أربعين دولارا يوميا، وتشمل الجولات استعراض كيفية التنقل داخل المنطقة. المسيرة السياحيّة، الهادفة الى مساعدة القبائل من خلال جذب نقود السياح الى المنطقة رغم ما شهدته مصر من اضطرابات سياسية في السنوات الأخيرة، تغطي مسافة أكثر من 340 ميلا وربما تستغرق ستة أسابيع لإكمالها. وأثمر موسم 2018-2019 للجولات السياحية الخاصة بطريق سيناء جمع نحو ستين ألف دولار.وأظهرت أمّ ياسر وثلاث نساء أخريات من حماده، أحد أكثر قبائل المنطقة فقرا وقلة عدد، مع ضمّها لما بين 1500 الى ألفي فرد، امكانية كسب المزيد من المال مع قيادة أول رحلة ضمن طرق سيناء من قبل النساء. كانت رحلة اليومين تلك في شهر نيسان مقتصرة على السائحات فقط، مع وجود موافقة خاصة لمرافقة بعض الصحفيين الذكور للرحلة. ولم يسمح للسائحات الست عشرة والصحفيين الستة بأن يقضوا الليل بمخيّم وسط البرية، وعادوا جميعا الى القرية قبل غروب الشمس؛ ومع ذلك، فقد مثلت تلك الرحلة حدثا مهما للغاية.
عدم قبول واسع
قالت أمّ ياسر بعد الرحلة: "اعترضت القبائل الأخرى قبل الرحلة لأنّهم يعتقدون أنّ مرافقة النساء للسياح والمشي معهم أمر مخز. أنا لا أعتقده كذلك، ولذلك لم أهتمّ برأيهم، وأؤمن بأنّني أفعل الصواب لأنّ العمل أمر جيّد". كان زوج أمّ ياسر، ابراهيم عبيد، مبتهجاً بما حققته زوجته، وجلس ابنها وابنتها وبعض الأقارب يستمعون الى ما تسرده عن الرحلة وهم فرحين. وتقيم أسرة أمّ ياسر في منزل مؤلّف من خمس غرف، لكنّه لا يحتوي على أية قطع أثاث أو غرف نوم، وهم ينامون في أي مكان على الأرض، وبضمنها باحة المنزل.
وتعد أمّ ياسر، ولدرجة ما زوجها بسبب تشجيعه لها علانيّة، من الروّاد بالنسبة للبدو، فقد بدأت خبرتها كدليل سنة 2015، عندما رافقت لأول مرة بين هوفلر، البريطاني المساهم في تأسيس طريق سيناء، وبطلب من زوجها. هوفلر، الذي يعرف الزوجان منذ سنة 2011، زاد من زياراته لهما بعد سنة 2014 لاستطلاع مسارات الطرق لأجل مشروع طريق سيناء مع ابراهيم، وكان كل مرة يبات في منزله. ذات مرة، اقترح ابراهيم تجربة أم ياسر كدليل، الأمر الذي جعل هوفلر يصاب بالدهشة: "بحسب تقديراتي حينذاك، كان المسير مع امرأة بدويّة يمثل تجاوزا لحدود خطرة، وعندما ذكر ابراهيم مقترحه، لم أكن متيقناً من جدية طرحه".
بدأت أمّ ياسر السير مع هوفلر، يصاحبها ابنها وأولاد صغار آخرون من القرية، لتكسب أول مال لها كدليل سياحي. يقول هوفلر: "بدت للعيان أنّها شخص جبلي، وحتى مع ارتدائها لحذاء رياضي رديء النوع، كانت تمشي بسرعة على المسارات الصعبة. كانت صلبة، وهي تفتخر بكونها صلبة".
توفر الفرصة
وعندما امتدَّ طريق سيناء الى أراضي قبيلة حمادة السنة الماضية، ناقش هوفلر مع الزوجين امكانية عملها كدليل عليه. وكان ابراهيم سلفا كبير الأدلاء، ومثل القبيلة في الادارة التعاونية للبدو لطريق سيناء؛ ليناقش الفكرة مع قبائل أخرى في الوقت الذي وجدت فيه أمّ ياسر عدّة نساء أخريات مستعدات للمشاركة، وبضمنهن اختها. يقول ابراهيم: "حينما اعترضت القبائل الأخرى، لم أكترث لذلك لأنّ الأوضاع ليستْ كما الحال هنا؛ فلربما أراضيهم مفتوحة بشكل أكبر، أما أراضينا فمعزولة، وبذلك فهي مناطق آمنة، وتستطيع النساء الذهاب بعيداً خارج منازلهن بدون أن يصادفن رجالا من خارج قبيلتهن".
وأشار ابراهيم الى عدم معارضة أبناء قبيلته. "لأنّ قبيلتنا اعتادت على رعي النساء للماعز في الجبال بمفردهن، لذلك الأمر مشابه لممارسة النساء قيادة الجولات السياحية". ولدى أمّ ياسر ونساء آخريات ضمن القبيلة امكانية حثّ غيرهن على العمل، بحسب هيلاري غيلبرت، رئيسة مؤسسة جنوب سيناء، وزميلة باحثة في جامعة نوتنغهام البريطانية: "تقديم نماذج بأدوار فاعلة للبنات البدويات أمر مهم للغاية، كما أنها تعطيهن خيارات لنوع الحياة التي يرغبن بتجربتها. وبمجرّد تمكّن أسرهن من إدراك وجود امكانية عمل لهن بشكل آمن ومحترم، بدون تعريض سمعتهن للتشويه، سيتاح المزيد من الفرص أمام البنات للعمل، بهذا القطّاع وقطاعات أخرى على حد سواء".
تتطلّع أمّ ياسر الى قيادتها لرحلات منفردة، بضمنها مجاميع مختلطة الجنس، وربما مع مبيت ليلي في البرية؛ كما تتطلع لمشاركة زوجها في قيادة مجاميع مختلطة مستقبلا، وتقول: "أشعر بفخر شديد".
صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية