حمزة الحلفي طائر عنقاء جديد..!

ثقافة شعبية 2019/11/15
...

وجدان عبدالعزيز
 
الحقيقة قصائد الشاعر حمزة الحلفي لها طعم يبقى معلقا في الذائقة، كون هذا الشاعر صقل كلمته الشعبيَّة، وألبسها لباس الحداثة الجماليَّة، واصبحت قريبة من ذائقة العامة، ناهيك عن الخاصة، اي النخبة، فالشاعر الحلفي تنقل بين التمثيل وكتابة القصة القصيرة، الى كتابة القصيدة الشعبية، ومن ثم سجل حضورا في القصيدة المغنّاة، إذ سجل له أوّل أغنية المطرب الريفي فرج وهاب عام 1987. 
وبعد هذا العام تعددت أعماله الغنائية للعديد من المطربين دون استثناء، ولكن زميل رحلته اللاصق له، هو الفنان حسن بريسم، الذي غنى له أكثر من (25) عملاً غنائياً، وكانت ذائقة الشاعر الحلفي هي دليله في تعميق ثقافته الشعرية، حيث رد على سؤال بمن تأثرت من الشعراء الكبار؟ رد: (تأثرت بقصائد وليس بشعراء محددين، وربما قصيدة لشاعر شاب من هذا الجيل تساوي عندي قصيدة رائد كبير)، ومن هنا كانت مسيرته الشعرية، التي اعتمدت الذائقة، حيث يقول في قصيدة
(يم طولك الكصب): 
 
(يل طول عودك گصب من نسمه وحده ايميل
آّطاك ربك شمس وآطاك ربك ليل
الشمس فوگ الوجه والليل فوگ الليل
سبحان من صورك دومك ترف سبحان
تغسل ابماي الورد والعسل والريحان
وتعصر خمر وجنتك وتخلط عليه ريحان
وتصير لذة شرب وتسودن السكران)
 
كلمات رقراقة رومانسية تقطر العسل، كما هي حبيبته (تغسل ابماي الورد والعسل والريحان)، حيث من سمات شعره: التمرد على العقل والقيود الاجتماعيّة، والاتجاه نحو القلب، ليصبح الانسان عنده محور القصيدة، وكان التراث حاضرا في ذهنه كما 
في قوله:
 
(يا مطرز عطر فوك المناديل
يا كاس الهوى بشفايف الليل
شكَد ماخذ شبه من طول عشتار
يا شجرة جمر وأوراقها امطار
من تمر عليك ترش طعم الهيل)
 
فكان طول عشتار مجازيا حاضرا، كون هذا الحضور يمثل اجتراراً لتراث زاخر بالكثير، فالسياق الأسطوري لـ(عشتار)، وأخبارها وقصصها تأتي إلى جانب (تموز)، وهي آلهة كبرى في مجمع الآلهة السومري، آلهة الحب والجنس والخصب والحرب، هي (إنيني) عند السومريين و(عشتارت) عند الإغريق، وهي (أفروديت) و(أرتميس) عند اليونان و(فينوس) و(جونو) عند الرومان، ومن الأسماء التي أُطلقت عليها: الربة الأم، سيدة الماء، سيدة الآلهة، ملكة السماء، وقد اصيب حينما اقول لم يقصد الشاعر طولها المتعارف عليه، انما قصد هذا المعنى الكبير من ذكره لعشتار، ثم ان رومانسية الشاعر الحلفي لم تكن رومانسية غنائية خالصة الذاتيّة، فالرومانسية الغنائية تعبيرٌ مُصوَّر عن عواطف وأحاسيس فرديّة في نطاق المشاعر العامة، وحين كان الشعراء الرومانسيون يغنون ما ينتابهم من مشاعر الفرح والألم والأمل واليأس، ومشاعر الحرية والتعاطف مع الطبيعة والكآبة والاعتزاز بالإنسانية، كانوا من جهة ثانية يعبرون عن كل المشاعر، التي يعيشها معاصروهم، بل البشر في كل العصور، وما الزمن الذي عاشوه وعاصروه سوى مناسبة لتجديد الانفعالات المعتادة في الحياة، من هنا يبقى الشاعر الحلفي متمسكاً بالحياة والجمال
كما في قوله:
 
(يسويهه البخت وتروح مني
انا من اشتاك ما احمل الفركة
اصيرن نار حتى الماي احركه
تذوب الروح اطيحن وركة وركة
وارد التم ولا مكطوع جني)
 
حيث كان يردد: (وارد التم ولا مكطوع جني)، اي انه رغم الضيم ووجع الفقدان الى حد التلاشي والموت يرجع من جديد، كما في طائر العنقاء، فعند موت هذا الطائر يحترق ذاتياً، ثمّ يتحول إلى رماد، وبعد أن يخرج من الرماد يعود طائر عنقاء آخر جديد، ومن المتعارف على المثقفين العراقيين انهم متمسكون بالحياة والجمال، رغم الاوجاع والالام والفقدان..